الإسكان .. هل من طريق آخر؟
تُصنف المملكة ضمن أقل 22 دولة كثافة سكانية في العالم، وثالث أقل دولة عربيا، وثاني أقل دولة في الخليج بكثافة 15 نسمة لكل كيلو متر مربع في 2013. و"كثافة السكان" هي عدد الأشخاص في الكيلو متر المربع من مساحة الأراضي. ورغم هذا يجد ما يقارب 70 في المائة من مواطنيها أنفسهم لا يملكون منزلا يأوي أسرهم.
وقبل ستة أشهر صرح مصدر مسؤول في وزارة الإسكان بأن قوائم الانتظار المسجلة لدى الوزارة حاليا تفوق 2.6 مليون متقدم، وأن أكثر من 500 ألف مواطن من المتقدمين السابقين، كانوا قد رفعوا طلبهم إلى صندوق التنمية العقاري بشرط الأرض، وهو النظام المعمول به سابقا، إضافة إلى 2.1 مليون مواطن تقدموا عن طريق النظام الجديد.
إذا وضعنا في الاعتبار أن متوسط دخل الموظف الحكومي الشهري لا يتجاوز سبعة آلاف ريال، وأن أكثر من 35 في المائة منها يذهب إلى الإيجار، وهي نسبة عالية للغاية، إذ لا تتجاوز نسبة الإيجار في العديد من الدول الأخرى 15 في المائة من الراتب الشهري. ستتأكد صعوبة التحديات التي تواجهها الوزارة الوليدة لتأمين المساكن للأسر التي لا تملك منزلاً، في ظل النمو السكاني المتصاعد في المملكة طالما لا يوجد تطوير للأراضي. إلا أن هذا التحدي بالذات هو ما يفرض على المسؤولين التفكير خارج الصندوق والخروج بحلول إبداعية مبتكرة. وفي إطار البحث عن حلول لهذه المشكلة يناقش مجلس الشورى مقترحا بإقرار بدل السكن لموظفي القطاع الحكومي. ونعتقد أن هذا القرار لا يعدو أن يكون حلاّ مؤقتاً لحين اكتمال مشاريع الوزارة. إذ إنه من المؤكد أن هذا الحل سيرهق كاهل ميزانية الدولة، كما سيزداد المخصص من هذا الدعم في الميزانية عاما بعد عام مع ازدياد عدد الموظفين الحكوميين. كما يجب مراعاة الضغوط التضخمية عند سن مثل هذا التشريع، وذلك بإقرار حزمة أخرى من التشريعات تضمن عدم استغلال بعض الملاك لمثل هذا القرار لرفع أسعار الإيجارات. وفي حال إقرار هذا البدل، فإنه ينبغي استثناء جميع الموظفين الذين توفَر لهم الوحدات السكنية عن طريق الجهات التي يعملون فيها، كما يُستثنى جميع موظفي المراتب العليا الذين باستطاعتهم الحصول على قروض بنكية، ويتوقف صرف بدل السكن للموظف عند تسلم وحدته السكنية. إن أي حلٍّ مطروح على الساحة يجب أن يراعي عدم الضغط على ميزانية الدولة، وتوفير الحل لأكبر عدد ممكن من الموظفين. لذا، ينبغي أن تلعب البنوك دوراً أكثر جدية وحيوية وتُفعِل شراكتها مع القطاع العام وتقوم بزيادة الإقراض، مع قيام القطاع العام بدور الضامن.
إن الوزارة مطالبة باتخاذ أسرع الطرق والوسائل المتاحة والاستفادة من آخر ما توصل إليه الفكر المعماري الحديث من أجل تسريع وتيرة إنجاز المشاريع، وتقليل الحاجة إلى الحلول المؤقتة مثل بدل السكن.
وبالنظر إلى نسبة الأراضي المملوكة لوزارة الإسكان داخل النطاق العمراني، التي لا تتجاوز 20 في المائة في أفضل التقديرات، نجد أن نحو 60 إلى 70 في المائة من الأراضي داخل المدن عبارة عن أراضٍ بيضاء، ويعتبر هذا رقماً كبيراً، إضافة إلى المباني الخالية. وهذا ما جعل الوزارة تخطط لإلزام أصحاب هذه الأراضي ببنائها أو بيعها للاستفادة منها، لسد الفجوة بين العرض والطلب، ولا سيما أن معظم الأراضي لا تزال غير مطورة. وهناك ما يقارب أربعة مليارات متر مربع من الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني لمنطقة الرياض وحدها على سبيل المثال، يمتلك رجال الأعمال نحو خمس تلك الأراضي ويحتفظون بها من دون تطوير. وتستطيع الوزارة إلزام المستثمرين والملاك لهذه الأراضي ببناء نسبة لا تقل عن 30 في المائة منها لتخفيف الهوة بين العرض والطلب والحد من الارتفاع الكبير في الأسعار. كما تستطيع التوسع في تطوير المناطق النائية خارج النطاق العمراني بإقامة الشراكات اللازمة للاستثمار في البنية التحتية وتطويرها وبتكلفة قليلة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة العرض، وبالتالي إعادة التوازن شيئا فشيئا إلى سوق عقارية متضخمة.