أم واحدة.. وخمس كلى
في إحدى دوراتي التدريبية اشتكت لي فتاة مراهقة من تحيز والدتها الظاهر تجاه شقيقتها الكبرى والتفريق بينهما في المعاملة وتفضيلها عليها، ومعاناتها من افتقاد حنان والدتها بسبب استحواذ شقيقتها بكل الاهتمام الزائد، وقد حاولت إقناعها بأن قلب الأم لا يعترف بالعنصرية والتمييز تجاه أبنائها مهما كان إلا في حالات مخصوصة كأن يكون أحدهم غائبا عنها أو مريضا أو طفلا صغيرا لم يعتمد بعد على نفسه، وهي حالات تزول بزوال أسبابها، ويبدو أن محاولاتي لإقناعها ضاعت أدراج الرياح، ولسان حالها يقول "النار ما تحرق إلا رجل واطيها".
قبل يومين أرسلت لي رسالة على "الواتس" تطلب مني أن أقرأ خبرا مثيرا منشورا في إحدى الصحف المحلية، يدعم نظريتها ـــ على حد قولها ـــ التي تنص على أن قلب الأم يجيد التمييز بين الأبناء أحيانا، وفي نهاية جملتها وضعت "فيسا " شامتا..!
كان الخبر المنشور يتحدث عن أم تعاني مرض أبنائها الخمسة بالكلى وضرورة زرع كلية لكل منهم، وحين قامت بإجراء الاختبارات الطبية وجدت أن كليتها تتطابق مع جميع أجساد أبنائها الخمسة، وهنا كان الاختيار الصعب والتمزق العاطفي العقلي الشديد لهذه الأم، لمن تمنح كليتها منهم؟!
كان قلبها يشير عليها بأن تمنح كليتها لابنها الصغير شفقة عليه من آلام ربما لا يحتملها جسده النحيل، ولكن حين تنظر إلى بقية أبنائها كان يصرخ قلبها وهؤلاء أيضا يعانون مثلما يعاني هذا الصغير، وفي لحظة سيطر فيها العقل وتنحت فيها العاطفة قررت هذه الأم أن تتبرع بكليتها للابن الأكبر.
وهو اختيار من وجهة نظري الشخصية أعتقد أنه اختيار موفق مسدد ينم عن بعد نظر ورؤية عميقة من قبل أم طحنت قلبها تجارب مرض أطفالها وقلة حيلتها نحوهم، فالابن الأكبر حين يستعيد عافيته وقوته بعد عملية زرع الكلى فسيكون قادرا ـــ بإذن الله ـــ على الوقوف بجوار والدته في معاناتها ومساندتها في هذا الابتلاء العظيم، بحكم أنه من وجهة نظرها أكبرهم سنا وأكثرهم خبرة بالحياة، وأقدرهم على الدخول في معترك العمل وطلب الرزق، ولهذا وقع اختيارها عليه.
قلب الأم لا يفرق بين الأبناء ولا يعترف بالتمييز بينهم، ولو كان الموت يطرق الأبواب ويخير الأم بسحب روح أحد أبنائها لما اختارت إطلاقا ولا حتى فكرت..!