قمة حكومية .. خضراء وصديقة للبيئة

تحقق الإمارات تقدماً مذهلاً في مشروع إعادة اختراع الحكومة، ولقد تبنت الدولة مشروع القمة الحكومية واحتضنت قمتين الأولى في 2013 والثانية في 2014.
ومشروع إعادة الحكومة هو مشروع ولد في الولايات المتحدة في عام 1992 في إطار حملة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، واستطاع هذا المشروع أن يدفع كلينتون إلى سدة الرئاسة.
ومشروع إعادة اختراع الحكومة يحقق اليوم تقدماً ممتداً في كل أنحاء العالم، وهو من المشاريع الإدارية التي تستهدف إحداث ثورة في أداء الإدارة الحكومية حتى ترتقي إلى مستوى تنفيذ برامج التنمية المستدامة بكفاءة وفعالية. يعتبر مصطلح ومفهوم إعادة اختراع الحكومة من المداخل المهمة في عمليات الإصلاح الإداري، وتحسين أداء المؤسسات الحكومية في العصر الحديث.
ورغم أن المتغيرات المطروحة تدعو إلى تضييق حجم ودور القطاع الحكومي مقابل دور أكبر للقطاع الخاص Privatization، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن الدور الحكومي لم يعد مهماً، ذلك لأن هناك العديد من الأنشطة المهمة التي لا يستطيع القيام بها إلا القطاع الحكومي كالدفاع والأمن والرقابة وحماية السكان، إضافة إلى دوره المهم في إدارة الدفة مقابل إعطاء دور التجديف للقطاع الخاص. ولكن كي تقوم المنظمات الحكومية بإنجاز أعمالها على الوجه المطلوب، فإنها يجب أن تأخذ بأساليب إعادة التجديد والاختراع حتى تستطيع أن ترتفع خدماتها إلى المستوى الأفضل.
ولم يقتصر الحديث عن إعادة الاختراع على الدول التي تمر بمرحلة التحولات، أو الدول النامية التي تعاني مشاكل إدارية فحسب، ولكن باتت مناقشة هذا المدخل بمثابة لغة عالمية تنتشر في أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان.
إن العالم ينظر إلى المستقبل من خلال مفاهيم إدارية واقتصادية جديدة تستدعي الوعي بمخاطر عدم تنفيذ الإصلاح الإداري، إذ إنه من المتوقع أن تتزايد معدلات البطالة، وأن فرص العمل ستقل، وأن الأسواق التقليدية ستتهاوى، وأن الاقتصاديات الوطنية ستكون عرضة للتصدع والانفلات.
وينطلق مفهوم إعادة الاختراع من الفكرة القائلة إنه بالإمكان تحويل الجهاز الحكومي من جهاز إنفاق إلى جهاز إيراد، ويمكننا أيضاً تحويل الجهاز الحكومي من جهاز تكلفة إلى جهاز يحقق الأرباح، كما ينطلق مفهوم إعادة ابتكار الحكومة من المقولة التي تقول: إن الإدارة الحكومية - مثل القطاع الخاص - قادرة على التكيف مع روح العصر وإعادة اختراع نفسها من حين إلى آخر، وإن العاملين في الحكومة ليسوا هم أساس المشكلة المتمثلة في تراجع الإنتاج والخدمات، ولكن النظام الإداري هو السبب الرئيس، كما أن المشكلات التي تواجهها الإدارة في العصر الحديث ليست بسبب الإدارة الليبرالية Libral Government أو الإدارة المحافظة Conservative Government، وإنما بسبب افتقاد تلك الإدارة إلى الفعالية والكفاءة.
والقمة الحكومية التي نظمت في دبي أخيرا كانت تهدف إلى الانتقال من رضا المتعاملين إلى إسعادهم، وسعت القمة إلى تحقيق فكرة أن جوهر العلاقة التي يجب أن تسود بين الحكومات والمواطنين هو إسعاد المواطنين بمشاريع التنمية المستدامة التي تنشر مناخ الحياة الرغيدة والكريمة بين الناس وفي ربوع البلاد كافة.
وأهم ما تتطلع إليه القمة الحكومية أن تتحول إلى منصة تفاعلية محلية وإقليمية ودولية يشارك فيها نخبة من القادة وكبار المسؤولين الحكوميين والخبراء وصناع القرار لتبادل المعرفة والأفكار واستعراض أفضل الممارسات حول كيفية الارتقاء بالخدمات الحكومية عبر أساليب ونظريات جديدة ومبتكرة وغير تقليدية من خلال قنوات إبداعية ووسائط ذكية وتفاعلية يلمسها المتعاملون وينعمون بنتائجها الإيجابية الفعالة.
ولعله من حسن الحظ أن أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي من الموضوعات التي طرحت في القمة الحكومية، وخلص الاجتماع إلى ضرورة أن تعتمد الحكومات الخليجية سياسات وإجراءات أكثر عمقاً وتحديداً في ما يتعلق بسوق العمل لتنجح في التعامل مع الزيادة المطردة لتعدد فئات أصحاب العمل والعمال.
ولقد ناقشت القمة الحكومية أهم الممارسات الرائدة في القطاع الحكومي في كل من الإمارات وأستراليا وكندا وسنغافورة والمملكة المتحدة وذلك اعتماداً على لقاءات أجريت مع كبار المسؤولين الحكوميين والخبراء في هذا المجال. وناقشت القمة كيفية تحقيق الكفاءة الإدارية في أربعة مجالات رئيسة وهي: الإبداع في الخدمات الحكومية، وتعميم استخدام الممارسات ذات الكفاءة العالية، وتحسين استخدام أدوات التحليل والقياس، إضافة إلى تعزيز التحفيز والدافعية.
ولقد لفتت القمة الانتباه إلى أهمية استخدام الحكومات للإعلام الاجتماعي واستغلاله كأداة للتواصل مع المواطنين والأطراف المعنية بتصميم وتقديم الخدمات الحكومية؛ لأن القمة ترى أن استخدام الإعلام الاجتماعي يدعم الابتكار والتحسين المستمر في الخدمات مما يسمح بالاستخدام الأمثل للموارد.
كذلك أكد المؤتمر على أن الدور المتزايد للحكومة الإلكترونية يعزز التقدم الشامل، كما أنه يفرض مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة في جميع مناطق العالم، وأكد المؤتمر أن هناك حاجة إلى مزيد من التمويل المناسب لدعم فاعلية الحكومة الإلكترونية من أجل تقليص الفجوة الرقمية بين الدول، وبين شرائح المجتمعات حتى تصل الخدمات الحكومية ذات المستوى الجيد إلى كل الفئات والشرائح.
إن وسائل وطرق الإصلاح وإعادة تجديد الحكومة قد تختلف من دولة إلى أخرى تبعاً للنظم الإدارية القائمة والثقافات السائدة، ومع ذلك يتفق الجميع على الحاجة لسرعة الإصلاح والحاجة إلى حكومات تتجه نحو خدمة مواطنيها وتحقيق مصالحهم قبل أي اعتبارات أخرى.
إن الإدارة الحكومية - مثل إدارة القطاع الخاص - لا بد أن تكون قادرة على التكيف مع روح العصر، وأن تكون أكثر انفتاحاً وكفاءة، وأن توصف بالقدرة على النمو والتغير والتطور والإنتاج والمنافسة العالمية وإعادة تجديد نفسها من وقت إلى آخر.
ونستطيع القول إن أهم الموضوعات التي طرحتها القمة الحكومية التي عقدت في دبي هو أن تكون منصة إقليمية وعالمية لتبادل المعارف، والخبرات في مجال جودة تقديم الخدمات بشعار قمة خضراء مستدامة وصديقة للبيئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي