«الكابلات» بين مراجعين .. «ديلويت» و«برايس ووترهاوس»
لا شك أن "الكابلات" شركة عريقة، فقد أنشئت عام 1975، وتستحق الاهتمام والعناية، ليس فقط من أجل تلك العراقة، ولكن لأنها أيضا تمثل لبنة مهمة من بناء الصناعة السعودية، وتغطي ثغرة رئيسة في الصناعات التي يجب دعمها والاهتمام بها وخاصة في هذه المرحلة المهمة من مراحل التنمية. قبل فترة صدر التقرير المرحلي الرابع للشركة للعام 2013، وقد تضمن تقرير المراجع "للفحص المحدود" الشك في قدرة الشركة على الاستمرار. وهذا، كما قلت مرارا، من أهم القرارات التي يتخذها المراجع.
لقد أشار المراجع "ديلويت" في تقريره إلى أن سبب شكه في قدرة شركة الكابلات على الاستمرار يأتي من مشكلة تفاقم الديون المتداولة، وهي تلك الديون التي يجب سدادها خلال عام واحد. لكن تفاقم الديون في حد ذاته لا يسبب مشكلة الشك في الاستمرار إلا إذا كانت الأصول المتداولة بجموعها غير قادرة على السداد. لتوضيح الصورة بشكل دقيق للقارئ غير المتخصص، افترض أن لديك سيارة تستخدمها كأجرة "تاكسي" ومعك في جيبك ألفا ريال فقط، وأسهم بقيمة عشرة آلاف ريال، ودخل السيارة بعد مصروفاتها الشهرية خمسة آلاف ريال "60 ألفا سنويا". تبدو الأمور جيدة، لكن لنفترض أنه ليس هناك أي مصدر آخر للدخل. وهناك قسط على السيارة 1500 ريال شهريا "18 ألفا سنويا"، هناك قسط لقرض المنزل ألف ريال "12 ألفا سنويا"، ومصروفات عائلية إلزامية ثلاثة آلاف ريال شهريا "36 ألفا سنويا". والآن لنرتب الأمور بمفاهيم المحاسبة، الأصول المتداولة هي ما تملكه من نقدية وما يمكن تحويله إلى نقد خلال عام، وهي هنا "في مثال سيارة الأجرة" النقد في الجيب، والأسهم، ودخل السيارة "مجموعها 72 ألف ريال سنويا". الديون المتداولة هي ما يجب دفعه خلال عام وهي هنا القسط وقسط قرض المنزل، إضافة إلى مصروفات عائلية إلزامية "مجموعها 66 ألفا". وهكذا نجد أن النقد والأسهم المتوافرة التي يمكن إنتاجها خلال العام تزيد عما يجب دفعه خلال العام بستة آلاف ريال، إذاً من المتوقع أن تكون السيارة موجودة في العام القادم. لكن إذا حصل واختلف الوضع، فمثلا لو انخفض سعر الأسهم إلى ألفي ريال فقط بعد أن كانت عشرة آلاف، إذاً سيصبح ما يجب دفعه خلال العام "66 ألفا" أكبر مما يمكن خلقه من النقد "64 ألف ريال"، وهناك وتحت ضغط الدين فإن صاحب السيارة قد يضطر إلى بيع سيارته لمواجهة الديون؛ وهذا معناه توقفه عن العمل وهو ما نسميه عدم القدرة على الاستمرار، فهو خطير ومقلق للجميع بلا شك.
ما حصل في شركة الكابلات هو هذه القصة فقد بلغت أصولها المتداولة 1770 مليون ريال، بينما بلغت ديونها قصيرة الأجل 2166 مليون ريال، أي أن هناك عجزا "متوقعا" لدى الشركة في قدرتها على السداد يبلغ 396 مليون ريال. هنا يتساءل المراجع من أين للشركة القدرة على سداد هذا المبلغ، فهل ستقترض، أم أنها قد تبيع شيئا من أصولها الثابتة ومصانعها وبذلك تفقد قدرتها على الاستمرار بهذا الشكل؟ لذلك فإن المراجع "لا يقول" بعدم قدرة الشركة على الاستمرار مطلقا، بل لديه فقط شك في ذلك ولكنه شك له أسبابه، وهو يحيط المساهمين وجميع من له علاقة بالشركة حتى الموظفين بهذا الشك وعلى كل شخص أن يأخذ قراره بعناية. يمكن قراءة تقرير إدارة الشركة في نهاية العام المالي وسؤال المجلس عن طريقة تجاوز هذه العقبة خلال الجمعية العمومية، يجب أن يكون هناك خطة ورأي واضح، في هذا الموضوع.
من المدهش حقا أن نجد أن المراجع السابق للشركة وهو "مكتب برايس ووترهاوس" لم يصدر في تقريره عن القوائم الربع الأول ما يشير إلى هذا الشك، ولكن عندما تغير المراجع إلى "مكتب ديلويت" ظهر الشك فورا وفي أول تقرير له، هذا استفزني كثيرا فعدت إلى تتبع القوائم المالية للشركة لمعرفة أسباب هذا الاختلاف، وخاصة أن "برايس ووترهاوس" كان المراجع للربع الأول من عام 2013، ولم يصدر مثل هذا اللفت للانتباه. لكن تتوضح الصورة عندما نعرف أنه وحتى الربع الأول من عام 2013 كانت المعادلة بين الأصول المتداولة والخصوم المتداولة "للكابلات" تشير إلى زيادة الأصول المتداولة، فلم يكن هناك شك في قدرة الشركة على الاستمرار حتى ذلك التاريخ. لكنها بعد ذلك أي في الربع الثاني تغيرت تماما، كان قرار كلا المراجعين صحيحا.
لكن بالنظر للنقطة الأخرى التي لفت المراجع "ديلويت" إليها وهي المتعلقة بالإيرادات التي لم تصدر بها فواتير، هنا يظهر بجلاء الفرق بين المراجعين في قضية الإفصاح، وهذه نقطة فنية تحتاج إلى تأمل. فالشركة تعمل على عقود وتعهدات من خلال نظام المقاولات، فهي تقديم مستخلصات من فترة إلى أخرى عما تم إنجازه، وهذا ظهر في القوائم التي دققها "مكتب برايس ووترهاوس"، حيث اعتبرها إيرادات مستحقة واعتبرها مكتسبة رغم أن عملاء شركة الكابلات لم يعتمدوها بعد، فهي قيمة الفرق بين الأعمال المنجزة بين ما تم قبضه من قيمة هذه الأعمال أو المستخلصات المعتمدة، لقد اعتبرها "برايس ووترهاوس" مكتسبة لأنها أعمال منفذة فعلا ولا شك في قدرة "الكابلات" على الحصول على حقها، كما أنه قد وضع مخصصا فيما يتعلق باحتمال عدم اعتماد جزء من هذه المبالغ. في المقابل كان لمكتب ديلويت رأي آخر فعندما تسلَّم مهمة مراجعة القوائم المالية لشركة الكابلات، عدل حساب الإيرادات المستحقة إلى حساب أسماه إيرادات لم يصدر بها فواتير، وفي الإيضاحات قدم تفسيرا أقل وضوحا من ذلك الذي قدمه مكتب برايس ووترهاوس.
فماذا تقول المعايير المحاسبية هنا؟ تؤكد المعايير على أهمية القياس الصحيح وأنه لا يوجد شك جوهري في تقويم المستخلصات أو في قدرة الشركة في الحصول على حقها، كما أن المعايير تفرض أن يتم عرض الفرق بين قيمة الأعمال المنجزة والمستخلصات التي صدرت فيها فواتير ضمن الأصول المتداولة، لكنها "أي المعايير" لم تحدد مسمى الحساب. وهكذا فلا فرق جوهري بين المراجعين في هذه النقطة بالذات، ولفت الانتباه من جانب "ديلويت" في هذه النقطة بالذات كان إضافة "في اعتقادي" لم تكن مهمة جدا وخاصة أن مثل هذه القضايا في عالم المقاولات مشهورة.