سعودة المهن .. الحلاقون مثالا

في جلسة مع بعض الأصدقاء، أخذ أحدهم يقص علينا قصة معاناته في افتتاح صالون للحلاقة الرجالية، فبعد أن وجد صاحبنا محلا واستأجره بـ 40.000 ريال، وبعد حصوله على التراخيص، تقدم صاحبنا لمكتب العمل بجميع الأوراق المطلوبة لاستقدام ثلاثة حلاقين، فبحسب حساباته، فإن متوسط عدد الزبائن لكل حلاق عشرة يومياً، وإذا افترضنا أن متوسط تكلفة الحلاقة 15 ريالا لكل زبون، فإن الدخل اليومي لصاحبنا الهمام 450 ريالا، أي 11.700 ريال شهرياً، وبعد خصم رواتب العمال والإيجار سيبقى لصاحبنا 1.700 ريال، وهذا المبلغ سيفي بحسب زعمه بتكاليف قسط سيارته الذي يلتهم 20 في المائة من دخله شهرياً. إلا أن موظف مكتب العمل أخبره أنه لابد من أن يوظف موظفا سعوديا كمحاسب في الحلاق، وهذا الموظف لكي يحسب في السعودة، يجب أن لا يقل راتبه عن 3000 ريال! حاول صاحبنا مناقشة موظف مكتب العمل بأن الحلاق بالكاد يغطي مصاريفه، وأن ما سيتبقى من دخل الحلاق هو فقط 1700 ريال، إلا أن موظف مكتب العمل أقفل النقاش بقوله أنا هنا أطبق القانون.
في الحقيقة لم آخذ قصة صاحبي على محمل الجد، فقلت لربما كان يبالغ، فذهبت بنفسي لمكتب العمل أستفسر عن إمكانية استقدام حلاقين وأعطيتهم معلومات صديقي كما قالها، وكانت المفاجأة بأنني تلقيت نفس الإجابة غير المنطقية، وهي وظف سعوديا ثم عد! في الحقيقة لا أدري كيف أبدأ في تناول هذا القانون العجيب، فإذا فكرنا في كيفية صدور هذا القانون من وزارة العمل الموقرة، سننتهي إلى أن الوزارة لا تعي للأسف المعنى الحقيقي للسعودة، فهل كان المعول على وزارة العمل سعودة الحلاقين ومحال البقالة المنتشرة في الأحياء؟ هل تتحمل هذه المشاريع موظفا راتبه 3000 ريال أو أكثر؟ ولو تعامينا عن المنطق وقلنا إن هذه المشاريع تتحمل، فكيف سيعيش هذا الموظف بهذا الراتب؟ ما هو المستقبل الوظيفي الذي ينتظره بعد 5 سنوات؟ والسؤال الأهم الذي أتمنى أن أجد له جوابا من وزارة العمل هو: ما الدراسة التي تمت على هذه المشاريع المتناهية الصغر، والتي انتهت نتيجتها لقرار سعودتها؟
نعم السعودة مطلوبة، ولكن بمنطقية تناسب السوق، وأكبر دليل على أن السياسة الحالية التي تتبعها وزارة العمل غير مجدية تعثر سعودة هذه المشاريع، لأنها ببساطة غير متناسبة مع السير الطبيعي للاقتصاد، وخصوصا لتأثيرها السلبي في المنشآت متناهية الصغر، إن إصرار الوزارة على هذه الاتجاه تجاه المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر سيؤدي إلى أحد أمرين، إما أن تتلاشى هذه المنشآت، أو ظهور طرق وحيل جديدة للتستر على العمالة غير النظامية. وإذا كانت الوزارة تبحث عن حل لهذه المعضلة، فهناك بعض الحلول التي طبقتها بعض الدول ونجحت فيها، فتحديد نسبة التوطين لكل قطاع بحسب متوسط الربح لهذا القطاع ومتوسط المبيعات، فمثلا يفرض على أي منشأة تبلغ مبيعاتها السنوية مليون ريال بتوظيف مواطن أو مواطنين، فيتم فرض التوطين بناء على الأرباح والمبيعات السنوية، ولا أعتقد أن المسؤولين في الوزارة لم يضطلعوا على تجارب مشابهة لهذه التجربة. إن التعامل مع الاقتصاد والأنشطة التجارية يجب أن يكون نابعا من واقع هذه الأنشطة، أي بعقلية اقتصادية، عدا ذلك سنكون كمن يلحق السراب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي