متى يتحرر السوق؟
على الرغم من الجدلية الدائرة بين الاقتصاديين السعوديين حول شكل الاقتصاد السعودي بين الرأسمالية والاشتراكية أو الاقتصاد الإسلامي، يظل تدخل الحكومة كصانع للسوق واضحا للجميع، بل نستطيع القول إن القطاعات الرئيسة في السوق ــــ النفطية والبتروكيماوية والبنكية ـــ تعتمد بشكل كبير على الحكومة لا على القطاع الخاص، إذ إنها تعتبر المسيطرة على هذه القطاعات الثلاثة. وإذا آمنا بما يبرره بعض الاقتصاديين من أن التدخل الحكومي في هذه القطاعات بهذا الشكل الكبير أمر لابد منه، فلا أقل من المطالبة بتحرير بعض أدوات صناعة السوق، كسوق العمل، والاستثمار الخارجي.
أما سوق العمل، فإنه محدد بقانون سعودة يعتبره أهل السوق غير منطقي لعدة أسباب، منها عدم قدرة نظام التعليم في المملكة على تخريج كفاءات تناسب ما يطلبه السوق، الأمر الآخر هو نظام الكفيل، والذي أدى بشكل واضح إلى التفرقة في الرواتب بناء على الجنسية! المشكلة الآن في الأيدي العاملة غير الماهرة كما هي في الماهرة، وإذا ربطنا هذا الأمر بمستوى رواتب الأيدي العاملة غير الماهرة، سنجد أن الكفة الاقتصادية ليست في صالح المواطن، في دول أخرى ولتجاوز هذا العائق، قامت الحكومة بإلغاء قانون الكفيل ووضع حد أدنى للأجور، فسدت باب الهروب والتخلف بالنسبة للعمالة غير الماهرة، وجعلت توظيف غير المواطن أكثر تكلفة من توظيف المواطن في الوظائف المتوسطة والعالية، أي أنها عالجت الأمر من منظور اقتصادي بحت.
في جانب الاستثمار الخارجي نجد تجارب مثل إيسوزو، ورانج روفر في 2017، إلا أن هاتين التجربتين قامتا على جهود شخصية من وزير التجارة، وهذا أمر جيد، ولكن إذا أردنا الاستمرار في استقطاب شركات تمثل قيمة مضافة للاقتصاد السعودي، يجب علينا تهيئة البيئة القانونية والاقتصادية والبنية التحتية اللازمة لدخول هذه الشركات لأسواقنا المحلية، عندها ستبادر هذه الشركات من تلقاء نفسها دخول السوق السعودي، وستكوّن قيمة مضافة من ناحية نقل الخبرات والمهارات، ومن ناحية المساهمة في انخفاض نسبة البطالة في المملكة.
إن من واجب وزارة التجارة ووزارة العمل ــــ لأنهما الجهتان المشرعتان والمنفذتان ــــ خلق البيئة المناسبة لنمو الاستثمارات المحلية بأحجامها كافة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تمثل قيمة اقتصادية فاعلة للمملكة عبر وضع قانون عمل يتوافق مع هذه القطاعات، وبيئة استثمارية تتناسب مع متطلبات الشركات العالمية الكبرى.