اعتذرت «القاعدة» .. فماذا بعد؟
تابعنا خلال اليومين الماضيين المقطع الذي يتحدث فيه الظلامي المالكي عندما قال إن قبلة المسلمين هي كربلاء. دفع في حديثه بمجموعة من الأفكار التي تكرس تفريق جماعة المسلمين. لقد أحدث هذا الرجل من المآسي والظلم والفساد في العراق الكثير، والغريب أن عقلاء العراق لا يزالون غير قادرين على إيقاف الرجل عن بث الفرقة والكراهية والعداء بين السنة والشيعة.
عهدنا منه الكثير من الادعاءات والكذب والأذى على كل ما فيه جمع شمل الأمة العربية والإسلامية. بل إن النَفَس الطائفي الذي ينشره أدى إلى عمليات قتل وتفجير وانتشار للكراهية بين مكونات العراق. دمرت المساجد والمدارس والجامعات والطرق وأصبحت الحياة في العراق مغامرة يومية لكل مواطن.
النَفَس الطائفي القاتل الذي أدى إلى كثير من الجرائم البشعة عدو للإسلام بالدرجة الأولى. هذا النَفَس والاحتكام له جعلنا نعيش داخل دائرة الاتهام وانعدام الثقة عالمياً. تعيش المنظمات والأنظمة الإرهابية على إذكاء روح العداء والكراهية والخوف بين الناس، لأنهم إن فتحوا عيونهم وتعرفوا على الحقائق، فسيفتكون بالطائفيين الذين فرقوا بينهم سنين بل عقودا. لذلك يضخم هؤلاء كل حادثة وينسبون كل اختلاف إلى الحالة التي يعتمدون عليها وهي الكراهية.
بالنبرة نفسها جاء بيان «القاعدة» المسيء للإسلام، عندما ربطوا بين صاحبهم وخالد بن الوليد ــــ رضي الله عنه ــــ فشتان ما بين الاثنين. شتان ما بين محارب للشرك والكفر أخطأ، ومهاجم لمستشفى يرى بأم عينه المرضى والأطباء والموظفين فيقتلهم بلا ذنب سوى أنه أُمر بذلك من قبل قائده الميداني.
عندما نشرت ''الاقتصادية'' مقالي ''قنوات التفجير''، هاجمني أشخاص في ''تويتر'' مدعين أنني أتهم دون دليل. كان حديثهم أشبه بالتهديد، ورأى البعض أنني معرض لدعوى قضائية تحاسبني فيها «القاعدة» وقنواتها على ما اتهمتهم به، لكن الحق أبلج، وجاء الاعتراف على لسانهم، فماذا بعد هذا كله؟
أظن أن من المفيد أن نعود إلى الوراء قليلاً ونتذكر نشأة «القاعدة» ومن أنشأها ولأي غرض أنشأها. إن محاسبة الذات تستدعي الوقوف عند النقاط المهمة التي بني عليها الفكر، ونشأ منه أسلوب العمل. نشأت «القاعدة» كأداة تتخلص بواسطتها أمريكا من عدوها اللدود الاتحاد السوفياتي دون الدخول في عمليات قتالية. دعمت أمريكا والعرب ذلك التوجه عندما كانت الحرب غير متكافئة، وبخروج الاتحاد السوفياتي كان لا بد لكل ما نشأ من ميليشات تحارب الاحتلال أن تختفي وتذوب في المجتمع الجديد لتسهم في البناء. لكن التاريخ يقول إن هذا لا يحدث إلا في حالات شاذة، لم تكن أفغانستان واحدة منها، بل إن «القاعدة» فقدت بوصلتها بموت العدو الأكبر، لتدخل في حرب هدفها فرض الرأي بالقوة.
أصبح المسلم يقتل المسلم ليفرض عليه رؤيته للدين. ولم يعلم هؤلاء أن الدين والقناعة به لم يعتمدا على القوة أبداً، كثيراً ما مثلت بأكبر الدول التي دخل أهلها الإسلام بالقناعة وحسن المعاملة. إن التخبط الذي استمر مع «القاعدة» سنين طويلة ودفع بها لتكوين لجنة شرعية تحدد كيفية التعامل مع الأعداء سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، هذا التخبط قاد «القاعدة» لأعمال لا يرضاها عاقل.
الاعتداء على السفارات والمباني العامة وأهمها ما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) أدى إلى انحسار الدعوة إلى الله، وأوجد عداء لم يكن له ما يبرره للسعوديين والمسلمين بشكل عام. توقفت الدعوة في دول كثيرة، وأصبحت المؤسسات الخيرية والدعوية مرفوضة في كثير من الدول، ولنأخذ إفريقيا مثلاً، حيث أغلق أكثر من ألف مكتب للدعوة، وتوقفت أنشطة الدعم الإنساني في أكثر من عشر دول، كل هذا بسبب انعدام الثقة والخوف من الذين تبنوا العمليات الإرهابية المنتمين للمذهب نفسه الذي تنتمي إليه تلك المكاتب واللجان.
استمرت آثار التفجيرات والاعتداءات في بلاد الحرمين الشريفين، والقلاقل المستمرة في بلاد الأفغان وباكستان واليمن وغيرها من دول العالم، في زيادة الكراهية والخوف من هذه المنظمة، ثم انتشرت معلومات عن تجاوزات غير مقبولة شرعاً في أماكن كثيرة. بغض النظر عن صدق أو كذب هذه المعلومات، فقد أثرت في تعاطف الناس ورغبتهم في دعم ومساندة الأبرياء في دول مثل سورية، وعندما تفقد ثقة الناس تفقد كل شيء.
آن الأوان لأن تتوقف «القاعدة» عما تمارسه من محاولات للتأثير في الرأي العام والسيطرة على القرار السياسي من خلال العنف غير المقبول وغير المبرر. آن الأوان لأن نعيد النظر فيما تنشره قنوات الفتنة، وأن نحاول أن نستعيد وحدة أوطاننا وشعوبنا بعيداً عن العنف والكراهية. آن الأوان لأن يتوقف السياسيون من أمثال المالكي عن تغذية الكراهية والدفع بالجهلة لارتكاب جرائم ضحيتها الدين والوطن والشعوب.