أنقذوا لجان تنمية الأحياء من البيروقراطية

كان زميلي يدرس في ولاية جورجيا يشاركه ما يقارب 30 من السعوديين الذين تعيش معهم أسرهم. فكر الآباء في إنشاء روضة يدرس فيها أطفالهم اللغة العربية ويمارسون فيها أنشطة مفيدة تشغل وقتهم. اجتمع أولياء الأمور وبحثوا حتى عن مصادر لتمويل مشروعهم التربوي الصغير.
عندما عرض أحدهم الفكرة على أحد أساتذته في الجامعة، اقترح الأستاذ أن يلتقوا بالمسؤولين في مجلس البلدة التي يعيشون فيها، ليحصلوا على معلومات أكثر ويضمنوا أن يكون عملهم ضمن القانون. ذهب المسؤول لمقابلة رئيس المجلس الذي استمع لطلباته. فوجئ الرجل عندما عُرِضَ عليه موقع يتبع لمجلس البلدية يضم عدداً كافياً من الغرف والصالات والمرافق الخارجية ليمارس الأطفال أنشطتهم التعليمية والترفيهية فيه.
اشترط مجلس البلدة أن يقدم أحد أولياء الأمور الطلب ويعبئ نموذجا يخص المجلس لضمان أن المنشأة منشأة تعليمية غير ربحية ليتمكنوا من الحصول على دعم مالي من المجلس، يغطي أغلب تكاليف الخدمات ورواتب المعلمين ووسائل النقل للأطفال. عرض المجلس على ممثل أولياء الأمور الاتصال بمجلس معلمي الولاية للحصول على المناهج إن هم رغبوا في ذلك. ضمن العرض أن يحصلوا على المواد التربوية مخفضة، كل ذلك في مقابل أن يتم عرض المناهج على المجلس. إنجاز المعاملة خلال فترة لا تزيد على شهر واحد.
تحدثت مع الزميل عن خبرته مع المجلس الذي كان يزوره مرة كل شهرين لتقديم التقرير الدوري عن الروضة، وسألته عن المجلس وتركيبته، فأفادني بأنه عبارة عن مجموعة منتخبة من المواطنين يمثلون مختلف الأحياء لا يزيد عددهم على سبعة أعضاء ينتخبون رئيساً من بينهم، ويعاد انتخابهم كل أربع سنوات. للمجلس صلاحيات بلدية واسعة، فجميع المنشآت العامة والأراضي ذات النفع العام مسجلة باسم المجلس. يقوم المجلس بتوزيع المدارس والمنشآت الدينية والحدائق ومكاتب الشرطة والإطفاء والعيادات الصحية الأولية حسب مخطط يعتمد على هوية وتوزيع الساكنين. يقترح المجلس نسب الضرائب المفروضة على مختلف السلع والخدمات. يعتمد المجلس المواقع المخصصة للمصانع والأسواق والمحال التجارية وأنواع المحفزات التي تقدم لرجال الأعمال للاستثمار في المدينة. يعمل المجلس بناء على خطة يقدمها الأعضاء عند ترشحهم للعضوية.
ذكرت هذه الحالة أثناء مناقشة خطط وبرامج لجنة التنمية الاجتماعية في حي الملك فهد. دعاني لهذا ما لاحظته من كثرة التعقيدات والصعوبات التي تواجهها اللجنة ومثلها اللجان والمراكز الأخرى في مختلف مدن المملكة. لعل أهم نقطة يجب أن تتخلص منها هذه اللجان والمراكز هي التبعية لوزارة الشؤون الاجتماعية التي تعاملها كجمعيات خيرية. البيروقراطية التي تعانيها هذه المنشـآت تحرمها من التصرف في كثير من المتطلبات الأساسية التي تحتاجها الأحياء.
عندما تطلب اللجنة من إحدى المدارس تنظيم برنامج محاضرات أو نشاط رياضي أو أمسية من أي نوع، فهي تنتظر حتى تحصل المدرسة على موافقة إدارة التربية والتعليم التي لا أعلم هل هي مضطرة لمكاتبة جهات أعلى أم لا؟ بينما تبدأ الدورة في المدرسة الخاصة المجاورة للمدرسة العامة في اليوم التالي. حدث هذا عندما قررت اللجنة تحديد يوم ''القراءة للجميع'' إذ طلبت من مدرسة حكومية أن توفر لها قاعة للقراءة، وهي لا تزال تنتظر الموافقة. تفتقد هذه اللجان إلى مشاركة الساكنين في أنشطتها والاستفادة من برامجها، لعل السبب الأهم هو أن الذين يعيشون في الحي قد لا يجدون مبتغاهم لدى اللجنة لسبب أو آخر. أظن السبب الأهم هو أن الجميع يرون في اللجنة مركزا ثقافيا واجتماعيا لا يمكن أن يحقق إنجازاً يغير حياتهم. هذا في الغالب صحيح، فمادامت هذه اللجان تعيش حالة البيروقراطية التي هي فيها، فهي لن تقدم لأهالي الحي الخدمات التي تجذبهم للحضور والمشاركة وتكوين علاقة متميزة داخل الحي.
أتمنى أن تحصل هذه اللجان على الاستقلالية التي تضمن لها أن تشارك في اتخاذ القرارات المهمة، كتوزيع الحدائق ومراقبة المشاريع وتحديد مواقع المدارس والأسواق والخدمات العامة. أتمنى أن تنشئ هذه اللجان قواعد بيانات متكاملة عن ساكني الحي تشمل المستويات التعليمية والاقتصادية وحالة الأسرة النفسية والاجتماعية والمالية. أن تتعرف اللجنة على احتياجات الناس الحقيقية التي تضمن انتماءهم لهذه اللجان ودعمهم لها. يمكن في حال تطورت هذه اللجان أن تدعم مادياً لإنشاء قاعات متعددة الأغراض تخدم الساكنين رياضياً وتنظم فيها احتفالاتهم وتجمع الأسر في مختلف المناسبات كالأعياد ورمضان، وكذا إنشاء الأربطة. إن ما شاهدته في خطة لجنة التنمية الاجتماعية في حي الملك فهد وما سمعته من مسؤوليها الكرام يدل على أن هناك رغبة كبيرة في التطوير والاهتمام بشؤون السكان والإسهام في تربية وتثقيف أفراد الأسرة كافة، لكن المطلوب أكثر من هذا بالتأكيد وهو ما يستدعي منح صلاحيات مالية وإدارية أكبر لتطوير اللجنة وجعلها مجلسا بلديا ''حقيقيا'' مصغرا، فأهل مكة أدرى بشعابها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي