قراءة في بيان قمة مجلس التعاون

مر على مسيرة مجلس التعاون الخليجي ما يزيد على ثلاثة عقود، وقد اختتمت القمة الرابعة والثلاثون يوم الأربعاء الموافق ٨/٢/١٤٣٥هـ التي عقدت في الكويت برئاسة الشيخ صباح الأحمد الصباح. عاد القادة وممثلوهم إلى أوطانهم، وصدر البيان الختامي للقمة. الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة ليست بأحسن حالا من تلك التي كانت عند تأسيس المجلس إن لم تكن أسوأ خاصة بعد سقوط العراق البوابة الشرقية للعالم العربي إضافة إلى ما يحدث في سورية وما قد يترتب عليه من تحولات جسيمة قد لا تتحملها المنطقة. خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واستشعاراً منه بخطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة بما فيها دول الخليج دعا إلى الاتحاد بين دول المجلس حتى تكون أقدر على مواجهة الظروف والمستجدات، وشكلت لجنة لدراسة الموضوع.
بعد انتهاء الاجتماع الوزاري قبيل قمة الكويت صرح وزير خارجية الكويت الشيخ محمد العبد الله الصباح بأن المجلس لا يزال في طور دراسة الآلية الكفيلة بالتوصل إلى مفهوم الاتحاد معللاً عدم إدراج الاتحاد على قمة الكويت بأن الموضوع لا يزال في البداية وقيد الدراسة، إذ إن القرارات لا بد من الإجماع عليها أو لا يتخذ قرار بشأنها.
بيان القمة تضمن عدة قرارات يختلف بشأن أهميتها رغم ما أحيط بها من هالة وتضخيم لها ولو تم التأمل بها لوجدنا أنها لا تختلف عن قرارات قمم سابقة إذ إن معظم القرارات أحيلت إلى لجان فنية لدراستها وهذا الأمر ينطبق على العملة الخليجية الموحدة، والسوق الخليجية المشتركة، والبنك المركزي فهذه يتم ترحيلها من قمة لأخرى دون أن يتخذ بشأنها قرار. من القرارات التي صدرت عن قمة الكويت قرار دعم الشباب لإنشاء المشاريع وتدريبهم، وهذا الاهتمام بالشباب وجعلهم محل الاهتمام يكشف عن الرغبة الأكيدة لدى القادة في تطوير المجتمعات إلا أن خللاً ما يوجد في منظومة المجلس و لابد من الاعتراف بذلك إذا ما أردنا الوصول إلى مرحلة تنفيذ القرارات وجعلها واقعاً ملموساً يجده الناس في حياتهم اليومية.
قمة الكويت أكدت في بيانها الختامي على ضرورة تذليل الصعوبات التي تعترض تنفيذ القرارات السابقة وفي هذا الاعتراف بوجود صعوبات تحول دون تنفيذ قرارات القادة من المناسب أن نسأل إذا كانت القرارات تم اتخاذها من القادة فما الذي يمنع تنفيذها؟! أعتقد أن أي قرار يمكن تنفيذه إذا وجدت القناعة ووجدت الإمكانات لتنفيذه، قرارات القمة اتخذت من القادة المطاعين في دولهم وما عليهم إلا توجيه الجهات التنفيذية، ولا أعتقد أن الجهات التنفيذية ستمتنع عن التنفيذ إذا وجهت من رأس الدولة بذلك!
الإرادة السياسية توجد الواقع المراد متى ما توافرت الإمكانيات، ولذا لا بد للقادة من المصارحة بينهم لمعرفة المعوقات، والمعوقات لا تخرج من احتمالين أولهما أن القرارات اتخذت دون قناعة من الجميع ولذا تمت إماتة القرارات في مهدها من قبل الدول بشكل انفرادي أو أن معوقات مادية هي الحائل دون التنفيذ. الشعوب الخليجية لا تتحمل وزر عدم تنفيذ القرارات وهي تتطلع إلى إنجازات أكبر وأفضل منذ نشأة المجلس رغم أن بيان قمة الكويت أشار إلى أن قرارات القمة الرابعة والثلاثين جاءت ملبية لتطلعات المواطنين وهذا خلاف الواقع فالشعوب يعتريها الإحباط من تواضع الإنجازات سواء ما له علاقة بحياتهم اليومية وتوافر الخدمات على مستوى عال في الصحة والتعليم والطرق وتوافر فرص العمل وكل ما من شأنه تعزيز اللحمة الوطنية لضمان قوة ومتانة الجبهة الداخلية من الاختراق استغلالاً للظروف المعيشية المتدنية أو التناقضات بين المكونات الاجتماعية، كما أن الإنجازات لم تصل إلى ما هو مأمول بشان التأثير في الصعيد الدولي.
بشأن الثورة السورية، والاتفاق بين إيران والغرب لم يلمس المواطن الخليجي توافقاً في السياسات ولا تنسيقاً في المواقف بل ما ظهر وبصورة علنية تناقضات واضحة أضرت بالموقف الخليجي وأظهرته بصورة خلاف ما كان يؤمل عند تأسيسه.
نجاح المجلس في دفع المنطقة نحو التطور وتحقيق القوة التي تحفظ هويته وثرواته يتطلب فلسفة عمل مختلفة تعيد النظر في نظامه الأساسي، وجعل المشاركة الشعبية جزءاً رئيساً في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية كافة، فهل يسارع القادة إلى إعادة النظر في مسيرة المجلس وتقويمها؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي