الإنترنت .. بدوي رحّال
ماذا لو استيقظنا في يوم من الأيام وفقدنا أي قدرة على الاتصال بالإنترنت؟
وبالتالي نكون قد فقدنا أي شكل من أشكال التواصل مع أصدقائنا الافتراضيين الذين عرفناهم على مدى سنوات.
كتبت هذا التساؤل قبل سنوات على ''فيسبوك'' وكانت الإجابات تتفاوت في خيالها وظرافتها، وإن كان الوقع على بعضهم خفيفا وعابرا فبالنسبة لي سيكون الموقف كمن ضيّع مدينته الفاضلة! وضيع حارته وأهله وجيرانه.
أن تتشارك الاهتمامات والأفكار والمشاعر حول مختلف القضايا والمواقف مع أصدقاء افتراضيين وعلى مدى سنوات يصبح الإنترنت ''مدينة'' حقيقية بالنسبة لك تظل مدينا لها.
أصبحت الهجرة من مكان إلى مكان آخر سمة بارزة، ليست للبدو الرحل العرب في صحرائهم فقط، بل برعاية أمريكية بامتياز، لكنها تحدث على الشبكة العنكبوتية وبنجوم يهتدون بها لا نعلم عنها شيئا. وفي كل مرة نبحث ''جميعا'' عربا وغربا عن الماء الذي يحيينا وعن الكلأ الذي يغنينا ويغذينا. ففي البداية كانت المنتديات ومن ثم جاءت المدونات وبعدها ''فيسبوك'' ثم ''تويتر'' ومجددا ''باث'' وهذه الأيام يعلو صوت ''سناب شوت''.
لكن هجرة الأصدقاء الشجعان هذه المرة من ''تويتر'' إلى ''باث'' تذكرني بقرار ميل جيبسون في فيلمه المعروف ''القلب الشجاع'' حين قرر أن يترك الحروب والمناوشات والجدل لأهله ويذهب بعيدا مع ثلة صغيرة من أصدقائه بحثا عن حياة صافية مع من يحب بسلام ووئام.
''باث'' .. المأوى الصغير الدافئ الذي بات يستحوذ على وقت ليس بالقليل من مستخدميه يوميا.
ففي الوقت الذي يطلق فيه ''تويتر'' الخط الزمني لفرص جديدة للمسوقين، يتعهد ديف مورن ألا تمس الإعلانات موقع تواصله الاجتماعي ''باث''.
وقد صرح مورن كما نقلت عنه مجلة ''فوربس'' عدد تشرين الثاني (نوفمبر) الشهر الماضي «تأكدوا أن الإعلانات لن تمس موقع باث فنحن نعتقد أنه لا يمكن تقديم درجة الخصوصية التي نريدها بطريقة أخرى». مورن استقال من وظيفته المرموقة في ''فيسبوك'' لإنشاء موقع مناقض له تماما. فـ ''باث'' موقع خاص يعمل على الهواتف النقالة فقط ويوصل المستخدمين بأصدقائهم المقربين فقط . بعد شهر واحد من إطلاق ''باث'' لم يكن له سوى عشرة آلاف مستخدم نشط ومع ذلك رفض مورن عرضا لبيعه لـ ''جوجل'' لقاء 100 مليون دولار، خلال عامين ازداد عدد المستخدمين لشبكة ''باث'' وفي شتاء هذا العام حصلت له شعبية فتجاوز عدد مستخدميه 20 مليونا في نهاية آب (أغسطس)، ووصلت قيمته لأكثر من 300 مليون دولار. ''باث'' تطبيق هواتف مخصص لمشاركة حياة المرء الخاصة مع مجموعة محدودة من الناس، وبينما تحفل المواقع الكبيرة مثل ''فيسبوك'' و''تويتر'' بالإعلانات بأخبار ناس لم تتحدث لهم من قبل، يصل ''باث'' بينك وبين ناس تعرفهم وتهتم لأمرهم. تقول مجلة ''فوربس'' دع ''فيسبوك'' يكن الحفلة الكبيرة الصاخبة وليكن ''باث'' العشاء الهادئ مع أصدقائك المقربين.
ولأن ديف مورن قطع على نفسه عهدا ألا يزعج مستخدمي ''باث'' بإعلانات تجارية، أجد أن الكتابة عنه جديرة به فعلا لشجاعاته المتتالية في منح بدو الإنترنت مكانا جديدا يستحق الهجرة.