فرض رسوم جمركية لحماية النفط الصخري
تم التطرق في المقالة السابقة إلى إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وإمكانية تحقيق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي من النفط الخام. وينقسم المختصون في هذه القضية إلى متفائلين ومتحفظين، حيث يذهب بعض المتفائلين (وقد يكونون مبالغين) إلى أن إنتاج الولايات المتحدة سينمو بقوة، وقد يفيض عن احتياجاتها الداخلية ويجبرها على السماح بالتصدير. من ناحية أخرى يرى المراقبون المتحفظون والمؤسسات المعنية بالطاقة أن إنتاج الولايات المتحدة من الزيت الصخري سينمو بمعدلات جيدة، وبالتالي سيدفع إجمالي إنتاج الزيت الخام الأمريكي إلى مستويات مرتفعة خلال الأعوام الخمسة أو الستة القادمة، ثم يصل إلى أعلى مستوياته في عام 2020. أما بعد ذلك فيرى الكثير من هؤلاء بأن إنتاجه سيبدأ في التراجع التدريجي.
ويتفق جميع المهتمين بالطاقة، سواء كانوا متفائلين أو متحفظين بأن إنتاج الزيت الصخري في الولايات المتحدة - وهي المنتج الرئيس حول العالم في الوقت الحالي- يحتاج إلى مستويات أسعار نفط خام لا تقل عن المستويات الحالية كي ينمو ويزدهر. وستجبر زيادة إنتاج النفط الأمريكي دول "أوبك" على الدفاع عن حصصها في الأسواق، وهو ما قد يدفع إلى تراجع الأسعار. وسيعيق تراجع أسعار النفط التوسع في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، بل قد يجبره على التراجع في حالة انخفاض الأسعار تحت مستوى تكاليف الإنتاج. فهل ستتخذ الولايات المتحدة أي إجراءات للدفاع عن صناعة النفط الصخري في حالة تراجع أسعار النفط الخام، خصوصاً في السوق الأمريكية؟ ومن المتوقع في حالة تراجع الأسعار أن تضغط صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وكثير من المشرعين، وجماعات الضغط المختلفة على الإدارة الأمريكية لإلغاء القيود المفروضة على تصدير النفط الخام الأمريكي كخطوة أولى. وإذا لم يكن هذا كافياً وتدهورت الأسعار إلى مستويات تهدد صناعة النفط الصخري فستضغط هذه الجماعات مرةً أخرى من أجل فرض رسوم جمركية على ورادات النفط الخام.
وسيكون من السهل عملياً إلغاء القيود على صادرات النفط الخام الأمريكي، حيث إن المنطق الاقتصادي يميل إلى رفع القيود عن تصدير النفط الخام، كما لا تملك الدول المتضررة من رفع القيود على تصدير النفط الخام أي مبررات قانونية لمعارضته. وسيؤدي اتخاذ قرار بهذا الشأن إلى خفض الهوامش السعرية بين أسعار النفوط المنتجة أو المصدرة إلى الولايات المتحدة وباقي مناطق العالم، إضافة إلى أنه سيعزز بعض الشيء من أسعار النفط الخام داخل الولايات المتحدة، ما سيشجع منتجي النفط الصخري على الاستمرار والنمو. وفي المقابل سيضغط السماح بالتصدير على أسعار النفط العالمية وينقصها بعض الشيء، ما سيخفض قليلاً من فاتورة الواردات النفطية. وسيكون تأثيره في مصدري النفط العالميين محدوداً، حيث ستعوض الآثار الإيجابية لارتفاع أسعار تصدير النفوط إلى السوق الأمريكية من تأثير معظم التراجع المحدود في الأسعار العالمية. ومن المتوقع نجاح هذا الإجراء في الحد من الآثار السلبية للتراجعات المحدودة في أسعار النفط الخام، لكنه لن يكون كافياً في حالة حدوث تراجع قوي في الأسعار. وهنا يمكن الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تصدر بالفعل بعض منتجات الطاقة، فهي تصدر الكثير من الفحم الحجري، كما أنها الدولة الثالثة على مستوى العالم في تصدير المنتجات النفطية.
وقد تلجأ الإدارة الأمريكية – إذا أرادت أو تعرضت إلى ضغوط قوية- إلى فرض رسوم على واردات النفط الخام في حالة استمرار تراجع أسعار النفط لفترة طويلة. وسيكون هذا مغرياً للإدارة الأمريكية، حيث سيرفع فرض رسوم قدرها عشرة دولارات على البرميل الإيرادات العامة بأكثر من 50 مليار دولار، ما سيساعد على خفض العجز المالي الأمريكي. وستأتي هذه الإيرادات بشكل رئيس من الرسوم المفروضة نفسها، ومن الضرائب التي ستأتي من أنشطة الزيت الصخري والأنشطة المرتبطة به. كما ستخفض هذه الرسوم من قيمة الواردات الأمريكية من النفط ما سيساعد على خفض العجوزات الهائلة في الحساب التجاري الأمريكي. كما ستساعد مثل هذه الرسوم على خفض أسعار النفط العالمية ولو بمقدار بسيط. وستحظى مثل هذه الخطوة بمعارضة قوية من جانب الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة، لكن لا توجد عوائق قانونية على فرض هذه الرسوم في أنظمة التجارة العالمية، حيث لم يسبق أن نجحت أو حتى سعت أي من الدول النفطية إلى تقييد الرسوم الجمركية على النفط الخام في جولات تحرير التجارة العالمية. وستفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على النفط الخام إذا كانت هناك أغلبية مؤيدة لمثل هذه الخطوة في داخل دوائر الحكم الأمريكية، وستجد من المبررات ما يكفي لتمرير مثل هذا القرار. ولن يوقف فرض رسوم جمركية إلا المعارضة الداخلية وجماعات الضغط المحلية، التي يعارض بعضها أنشطة النفط الصخري أو فرض رسوم على الواردات. وستتركز معارضة هذه الخطوة وبشكل رئيس في جماعات حماية المستهلك والبيئة الأمريكية وبعض الصناعات كصناعة تكرير النفط.