«طيران الإمارات» .. نجم ساطع في سماء الخليج
كي تعرف القوة الكاملة لشركة طيران الإمارات، عليك أن تذهب إلى مركزها في دبي في منتصف الليل. بين الساعة العاشرة مساءً والواحدة بعد منتصف الليل تهبط الطائرات مثل المطر المنهمر على مطار دبي الدولي. تتم خلال هذه الساعات الثلاث 90 عملية هبوط بشكل سريع ومحموم لطائرات جاءت في أغلبها من آسيا وأوروبا وأماكن أخرى من الشرق الأوسط.
وبعد ذلك يجري تحضير هذه الطائرات بعيدة المدى بسرعة للانطلاق في رحلاتها التالية ــــ تعتبر شركة طيران الإمارات أكبر مشغل في العالم لطائرات إيرباص إيه 380 العملاقة وطائرات بوينج 777 ــــ وبين الساعة الثانية والرابعة صباحاً يمكنك سماع هدير 60 طائرة وهي تغادر دبي.
تبرز الموجات المتلاحقة من الطائرات في مطار دبي كيف أصبح مبنى المسافرين رقم 3 في مطار دبي الدولي مركزاً لملايين المسافرين العابرين للعالم. تحدث ساعة الذروة في منتصف الليل عندما يقضي المسافرون الذين أرهقهم السفر بضع ساعات في أسواق المنطقة الحرة، بين رحلاتهم القادمة والمغادرة.
#2#
سعدية فروخ، طبيبة باكستانية، طارت إلى دبي آتية من عمان على متن "طيران الإمارات"، قالت وهي تجهز نفسها لإكمال الجزء الثاني من رحلتها إلى إسلام آباد: "وجدت طيران الإمارات من أفضل خطوط الطيران في العالم، بسبب الخدمة التي تقدمها وتميز موظفيها. إنهم مهذبون جداً ومضيافون".
لكن ليس الكل سعيداً بخطوط الإمارات. مثلاً ماساشي ساتو، وهو مستشار ياباني، كان ينتظر رحلة تقله إلى طوكيو بعد أن طار من تونس على طائرة قديمة من طراز إيه 340، اشتكي من أن مقاعدها غير مريحة. وقال: "أنا أفضل الخطوط الجوية اليابانية"، ثم أضاف مستطردا: "لكن الكلفة مع طيران الإمارات أقل بكثير".
المنافسة الشرسة في الأسعار، والخدمة المؤدبة، والقدرة على العمل على مدار الساعة من مركز دبي، تفسر كيف أصبحت "طيران الإمارات" واحدة من أقوى شركات الملاحة الجوية في العالم. واستطاعت الشركة التي تأسست عام 1985 أن تجمع في جنباتها أكبر أسطول من طائرات الركاب عريضة الجسم وبعيدة المدى في العالم، يبلغ عددها الإجمالي 196 طائرة. وأصبحت دبي ــــ بفضل "طيران الإمارات" ــــ في طريقها لإزاحة مطار هيثرو في لندن، لتكون أكبر مركز للركاب الدوليين في عام 2015، علماً بأن الطيران الليلي في مطار هيثرو في لندن محدود تماماً.
ثلاثي سريع النمو
"طيران الإمارات" واحدة من ثلاث شركات طيران خليجية سريعة النمو تسيطر عليها الدول في الزاوية الأغنى من منطقة الخليج، التي نجحت في جذب مسافرين اعتادوا الطيران سابقاً على شركات طيران تأسست قبل هذه الشركات الثلاث بفترة طويلة، في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. والشركتان الأخريان، "الاتحاد" و"القطرية" اللتان يقع مقراهما في أبو ظبي والدوحة على التوالي، تمضيان أيضا في استراتيجيات طموحة لتشغيل رحلات بعيدة المدى.
وجاء التأكيد على قوة عضلات هذه الشركات الثلاث في معرض دبي الجوي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما أعلنت كل من "طيران الإماراتط و"القطرية" و"الاتحاد" عن استعدادها لتكون أول زبائن للطائرة 777 إكس، الأنموذج الجديد من الطائرة الناجحة بعيدة المدى 777.
وتعرض "طيران الإمارات" شراء 150 طائرة من طراز 777 إكس، النفاثة الموفرة للوقود، في صفقة ستكون أكبر طلبية واحدة من شركة بوينج الأمريكية، بكلفة تبلغ 55.6 مليار دولار بالأسعار المعلنة في الكتالوجات. وجاءت هذه الصفقة لتكون علامة على استعادة الإمارة لعافيتها بعد أزمة دين استمرت أربع سنوات جعلتها تجثو على ركبتيها.
ويعود الفضل في ذلك إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي السابق، الذي أدرك، أثناء انتقالها من محمية بريطانية لتصبح عضواً في دولة الإمارات، أن الطيران يمكن أن يُقوي موقع المدينة الإمارة مركزا إقليميا لإعادة التصدير.
#3#
ولا تمتلك دبي موارد النفط الضخمة التي تمتلكها إمارة أبو ظبي المجاورة، ولذلك ركز الشيخ راشد على مشاريع البنية التحتية، مثل بناء مطار دبي الدولي الذي يمكن أن يدعم مكانة الإمارة بجعلها مركزاً حديثاً للتجارة والسياحة.
لكن شركة طيران الإمارات كانت من بنات أفكار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الابن الثالث للشيخ راشد، والحاكم الحالي لدبي، وذلك حسب أقوال الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، مدير شركة طيران الإمارات.
يقول الشيخ أحمد، وهو عم حاكم دبي وظل رئيساً للشركة منذ تأسيسها، إن الشيخ محمد يشجع دائماً "طيران الإمارات" "على بذل الجهود إلى أقصى حد ممكن". ويضيف: "كان واضحاً منذ اليوم الأول لتأسيسها أن سموه أعطى "طيران الإمارات" الحرية في توسيع أعمالها ما دامت لا تأتي للحكومة لطلب أية ضمانات أو أي تمويل".
ويُجسد الشيخ أحمد العلاقة بين حكومة الإمارات وصناعة الطيران، وهو إضافة إلى مركزه في إدارة "طيران الإمارات" يشغل أيضا منصب رئيس مجلس مطارات دبي، الذي يشغل مطار دبي الدولي، وهو كذلك رئيس سلطة الطيران المدني في دبي، الجهاز التنظيمي للطيران. وعملت هذه الأدوار مجتمعة على تمكينه من تسهيل الطريق أمام التوسع السريع لـ "طيران الإمارات" في العقد الماضي.
موقع مثالي
اعتمد نمو شركة الطيران على موقع دبي، فهي في المكان المناسب لربط الشرق بالغرب، لأن ثلثي سكان العالم يعيشون ضمن ثماني ساعات طيران من هذه المدينة.
كذلك ركبت الشركة في نموها الموجة العالية للعولمة. مثلاً، يعد رجال الأعمال الصينيون الذين يطيرون إلى إفريقيا من الزبائن المهمين. إضافة إلى ذلك يستهدف مطار دبي مطارات المملكة المتحدة الصغيرة، لأن العائلات البريطانية تريد رؤية أقاربها في أستراليا.
ومن الأمور الأساسية الأخرى، أنه في الإمارات لا توجد الهياكل ثقيلة الكلفة التي تقوم عليها شركات الطيران الأوروبية والأمريكية. مثلا، العاملون في "طيران الإمارات" غير منظمين في نقابات مهنية. والتكاليف التي تدفعها شركة طيران الإمارات في مطار دبي الدولي قليلة بسبب رسوم الهبوط المنخفضة نسبياً، وأيضاً بسبب حداثة أسطولها الجوي، إذ يبلغ متوسط عمر طائراتها النفاثة ست سنوات، وهو عامل مهم في تقليل قيمة فواتير الوقود والصيانة التي تحتاج إليها. وأخيراً، تستفيد "طيران الإمارات" من حقيقة عدم وجود ضرائب على الشركات في الإمارات.
وعلى الرغم من ميزة الكلفة القليلة نسبياً التي تتمتع بها أمام منافسيها، إلا أنها مصممة على ركوب مخاطر كبيرة، مثل مراهنتها على طائرات إيرباص السوبرجامبو إيه 380، أكبر طائرة نفاثة لنقل الركاب في العالم. وكانت "طيران الإمارات" واحدا من الزبائن الذين دشنوا الطائرة الأوروبية إيه 380. لكن أول طائرة وصلت في عام 2008 متأخرة سنتين ونصف السنة، ما سبب اضطراباً في خطط توسع الشركة. غير أن رهانها على الطائرة إيه 380 كان مربحاً بصورة كبيرة لأنه ثبت أن للطائرة شعبية بين الزبائن.
يقول جون ليهي، كبير الإداريين التشغيليين المسؤول على العملاء في إيرباص: "أرى في طيران الإمارات شركة راغبة في اقتحام كثير من المخاطر، لأنها ترى فائدة في ذلك، ولو نظرتَ إلى تاريخ بعض الشركات الناقلة لوجدت أنها ركزت أكثر على التقليل من المخاطر".
ويلاحظ بعض المحللين أن شهية اقتحام المخاطر في "طيران الإمارات" ناتجة جزئياً عن حماسة حكومة دبي في مساندة استراتيجية نمو الشركة.
وبحسب تيم كلارك، رئيس "طيران الإمارات" والتنفيذي البريطاني الذي طور خطوط الشركة المبتكرة في الـ 28 عاماً الماضية، هناك إحساس في دبي بأن هذه الشركة أكبر من أن تفشل، لأن الطيران يشكل 30 في المائة من الدخل المحلي الإجمالي لدبي. لكنه يضيف: "لن أعتبر أبداً حكومة دبي شبكة أمان للشركة".
اتهامات غربية
وتنفي "طيران الإمارات" بشدة الاتهامات التي توجهها بعض شركات الطيران الغربية بأنها تتلقى دعماً حكومياً، وتقول إنها لم تتلق أية مساعدة من حكومة دبي سوى مبلغ عشرة ملايين دولار دفعتها في تأسيس رأس المال، وهو قيمة طائرتين من طراز بوينج 727 وإيداعات لشراء طائرتي إيرباص إيه 310، وكل ذلك كان في الثمانينيات. أما توسع الشركة فقد تم من خلال أرباحها. وخلافاً لكثير من شركات الطيران الأخرى ظلت "طيران الإمارات" تحقق أرباحاً متوالية على مدى السنوات الـ 25 عاماً الماضية.
لكن الاتهامات من الشركات الأوروبية والأمريكية لا تزال مستمرة. ففي العام الماضي، اشتكت "لوفتهانزا" من أن "طيران الإمارات" استفادت بطريقة غير متكافئة من الرسوم التي تفرضها دبي على هبوط الطائرات في مطارها. ورددت الاتهامات نفسها إير فرانس ــــ كيه إل إم، التي دعت في آذار (مارس) إلى وقف مزيد من حق الهبوط لهذا الناقل الجوي الخليجي في المطارات الأوروبية، حتى يقدم ضمانات بمراعاة المنافسة العادلة. لكن من غير المرجح أن يحظى هذا الطلب بزخم، لأنه يتعارض مع تحرير هذه الصناعة الذي طبق منذ 35 عاما.
فضلاً عن ذلك تعتقد "طيران الإمارات" أن لديها مسألة واحدة تستطيع المقايضة عليها. فالشيخ أحمد يؤكد أن الخطوط تؤمن وظائف في شركتي إيرباص وبوينج من خلال طلباتها. ويقول: "لماذا نشتري شيئاً لن يسمحوا لنا باستخدامه للهبوط في أوروبا والولايات المتحدة؟ يمكنهم أخذ طائراتهم ثانية". لكنه استدرك قائلاً إن الأمور لن تصل إلى هذا الحد.
وأثناء ذلك تدعو شركات طيران أمريكية تقودها "دلتا إيرلاينز"، بنك التصدير والاستيراد، وهو وكالة ائتمان الصادرات الأمريكية، إلى وقف توفير ضمانات تمويل للخطوط الجوية غير الأمريكية، ومن ضمنها "طيران الإمارات"، وذلك بخصوص مشتريات طائرات بوينج النفاثة عريضة البدن.
و"دلتا" واحدة من عدة شركات طيران في عدة دول تصنع طائرات بوينج وإيرباص اختارت الالتزام طوعياً بترتيبات تعمل بموجبها على عدم طلب تمويل ائتمان صادرات لشراء طائرات نفاثة. لكن الدعوى التي أقامتها الشركة المقيمة في أطلانطا لم تلق سوى قليل من الآذان الصاغية.
وتبرز "بوينج" كيف تستمر الناقلات الجوية الخليجية في الحصول على ضمانات لشراء الطائرات من وكالات ائتمان الصادرات الأوروبية. ويقول جيم ماكنيرني، الرئيس التنفيذي لشركة بوينج: "بالنسبة لبلدنا إذا قلنا إن دعم الصادرات لم يعد اللعبة التي سنلعبها، فإن ذلك يعتبر بمثابة نزع سلاح من جانب واحد".
مكمن الخطر
وأكبر خطر يهدد نمو "طيران الإمارات" لا يأتي من لوبيات تشكلها الناقلات الجوية الأوروبية أو الأمريكية، ولكن يأتي بالأحرى من البنية التحتية لمطار دبي التي تكابد لمواكبة توسع الشركة.
يستطيع الشيخ أحمد أن يرى أن هناك حجة وجيهة لـ "طيران الإمارات" كي ترفع عدد الطائرات في أسطولها الجوي إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 450 طائرة (قدمت الشركة طلبات إلى إيرباص وبوينج لشراء 385 طائرة نفاثة، على الرغم من أن الكثير منها سيستخدم لإحلال طائرات قديمة، منها طائرات إيه 340).
ولكن كلارك يقول إن الشركة لن تكون قادرة على تشغيل أكثر من 260 طائرة في مطار دبي الدولي، لأنه بدأ بالامتلاء. فهو يستضيف 140 شركة طيران، منها "فلاي دبي"، الناقل الجوي الإماراتي سريع النمو الذي يستخدم الطائرات قصيرة المدى.
وعملت أزمة الديون عام 2009 في دبي على إبطاء التوسع في مطار دبي الدولي، في الوقت الذي تم فيه التخلي عن خطط طموحة لمطار دبي العالمي المركزي، وهو موقع مطار جديد في الصحراء.
ويتوقع بول جريفيثز، الرئيس التنفيذي لمطارات دبي، أن يبلغ مطار دبي الدولي طاقته القصوى المتاحة بحلول 2020، حين يكون بمقدوره التعامل مع 100 مليون مسافر سنوياً. وهو يعمل الآن على خطط معدَّلة لتوسع مطار دبي المركزي العالمي، بحيث يستطيع هو الآخر التعامل مع 100 مليون مسافر سنوياً في وقتٍ ما بعد عام 2020.
ويقول جريفيثز: "علينا أن نطور المطار الجديد ليستوعب 100 مليون مسافر في أقصر مدى زمني ممكن"، مضيفا أن دبي سيكون لها مركزان في "المستقبل المنظور".
ويقول الشيخ أحمد الذي سيكون شخصاً مهماً تماماً في اتخاذ القرارات بخصوص التوسع في مطار دبي المركزي العالمي، والذي يتولى أيضاً رئاسة مجلس إدارة "فلاي دبي"، إن الحل لانقباض الطاقة التشغيلية للمسافرين ربما يتمثل في أن تظل "طيران الإمارات" في مطار دبي الدولي، على أن تنتقل "فلاي دبي" إلى المطار الجديد. ويقول: "طموحي هو أن أرى فلاي دبي قوية للغاية فعلاً. سأظل راغبا دائماً في رؤية شركة للخطوط الجوية في مطار دبي المركزي وشركة أخرى في مطار دبي الدولي. وربما في مرحلة معينة إحداث انتقال بينهما. لكني أريد أن تتمتع الشركتان بقوة كبيرة في السوق".
كذلك يشكل عدم الاستقرار الإقليمي تهديداً للإمارات التي تمكنت حتى الآن من أن تجني المنافع الاقتصادية من حيث عدم تأثرها بالثورات الشعبية للربيع العربي. لكن هناك تراجع في المخاوف من ضربات جوية ضد المرافق النووية في إيران المجاورة.
بالتالي يستطيع كلارك ألا يرى عاملاً يذكر لعرقلة "طيران الإمارات" وإبعادها عن مسارها التوسعي. ويقول: "هناك توازن في هذا الجزء من العالم. وطالما بقي هذا الحال، سنكون في وضع جيد".