«النووي» السعودي .. التنويع المستحق

تسير خطوات المملكة في اتجاه الطاقة النووية السلمية بصورة محسوبة، وإن كانت أبطأ من الخطوات الإماراتية (مثلاً) في هذا الاتجاه الذي بات يشكل محوراً رئيساً على صعيد هذا النوع من الطاقة، بما في ذلك التقليل من الاعتماد على مصادر مختلفة للطاقة لتوليد الكهرباء، ولا سيما النفط والغاز. وبالتوازي تقوم المملكة بتغيير في طبيعة عملية إنتاج الكهرباء، عن طريق رفع حصة الغاز في إنتاجها، بدلاً من النفط الذي ارتفع استهلاكه المحلي بصورة كبيرة في السنوات القليلة الماضية إلى درجة انتشار التحذيرات المحلية والخارجية من أن الصادرات النفطية للمملكة قد تتأثر سلباً في السنوات القليلة المقبلة. لقد بات من الضروري بالفعل أن يتم وضع هذا الأمر في دائرة الاهتمام الأكبر، بترشيد الاستهلاك النفطي المحلي، واتباع سياسات أكثر واقعية تخص مستقبل الإنتاج والاستهلاك، بما في ذلك مواجهة عمليات التهريب التي تجري على مدار الساعة.
تتصدر فرنسا المشهد النووي العالمي، ليس من جهة حجم امتلاكها له، ولكن من حيث التطور العملي في هذا المجال. وقد بلغت الخبرات والتراكمات النووية الفرنسية حداً، قامت بريطانيا أخيرا ببيع مفاعل نووي هائل لإحدى الشركات النووية الفرنسية. فقد تراجعت بريطانيا على صعيد حضورها النووي العالمي في العقدين الماضيين لأسباب منها سياسية وأخرى استثمارية، وبعضها بالطبع يرتبط بالجانب البيئي الذي يطرحه المهووسون ''بالخطر'' النووي. ونتيجة للخبرات الفرنسية في هذا المجال، فقد استحوذت على مشاريع كبيرة وكثيرة للطاقة النووية حول العالم. ومن هنا تأتي أهمية التوجه السعودي نحو القطاع النووي في فرنسا، الذي ظهر أخيرا من خلال اتفاق بين شركات سعودية يصل عددها إلى 25 شركة، وأخرى فرنسية عملاقة. والأهم أن المملكة تركت الباب مفتوحاً لشراكات مشابهة أخرى مع قوى نووية عالمية. فالخيارات المتعددة توفر حصانة متعددة أيضاً من أي عقبات أو مشكلات أو حتى أخطاء في المستقبل.
ولعل من أهم ما تتضمنه الاتفاقات المبدئية بين السعودية وفرنسا ودول أخرى في مرحلة لاحقة، الجانب الخاص بنقل الخبرات إلى الجانب السعودي. فهذه الصناعة (كغيرها من الصناعات) يمكن أن تتحول إلى وطنية خالصة، طالما كانت هناك خبرات محلية مؤهلة وقادرة، وفي ظل تعاون دولي مباشر. فمن حق أي دولة الحصول على الطاقة النووية السلمية. ومع التطور الحاصل على الصعيد العالمي، لم تعد الطاقة النووية خياراً بقدر ما هي ضرورية، بصرف النظر عن مواقف بين الجهات التي تنظر لمثل هذا الأمر من زوايا أقرب إلى الرومانسية منها إلى الواقعية. مع ضرورة الاعتراف بأن لكل طاقة مخاطرها. إن التقدم التقني الذي حدث في الأعوام الماضية قلل بنسبة كبيرة المخاطر الناجمة عن الطاقة النووية، وإن كان أحد لا يضمن السلامة 100 في المائة.
لقد أثبتت الصناعة النووية الفرنسية قدرات كبيرة، ويمكن أن تكون محوراً أو أحد المحاور في بناء القدرات النووية السلمية السعودية. لذلك، فإن الاتفاقات المبدئية التي تمت، وتلك التي ستتم في مرحلة لاحقة، ستنقل المملكة إلى مرحلة جديدة على صعيد الطاقة. وهي بذلك تدخل في نطاق التنويع الحقيقي لمصادر الطاقة، ولا سيما أنها ماضية أيضاً في الطريق نحو التمكين في مجال الطاقة المتجددة. فالتقديرات الدولية، تشير إلى أن السعودية ستتجاوز حتى ألمانيا بعد عشر سنوات في مجال الطاقة الشمسية. وألمانيا تتصدر قائمة الدول التي تعتمد على هذا النوع من الطاقة. إن المرحلة النووية السعودية السلمية قادمة، والتحصيل في هذا المجال، سيزيد من محورية مكانة المملكة على الساحتين الإقليمية والعالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي