«لا تقطع رزقه» مقولة دمرت التعليم على مدى السنين
تُنفق المملكة على التعليم النسبة الأكبر من الميزانية السنوية، أي ما يقارب الربع، والنسبة الأعلى من إجمالي الناتج المحلي بين دول العالم ''5.6 في المائة'' في عام 2013. وهذا أمر إيجابي، يُذكر فيشكر لحكومة هذا البلد الأمين ولوزارة التربية والتعليم، خاصة أن التنمية البشرية هي العامل الأهم في استدامة التنمية واستمرار التطور والرخاء لشعب المملكة العربية السعودية، ولكن عدم تطبيق الأنظمة مراعاة لمسائل وعلاقات شخصية على حساب المصلحة العامة يهدم الخطط والاستراتيجيات، ويحد من فاعلية الجهود الكبيرة والمبالغ الضخمة المبذولة.
على مدى العقود الماضية، نقرأ ونسمع الكثير عن ممارسات ''مخلة'' من قبل بعض المعلمين، لا تليق بالتعليم، وتؤثر بشكل مباشر في مستقبل هذا المجتمع، إذا اتفقنا على أن التعليم هو المفتاح السحري لأي نهضة والمحرك الأساس لأي تقدم. إن وجود تقصير في الأداء وحدوث ممارسات تتنافى مع القيم الإنسانية النبيلة والتعاليم الإسلامية العظيمة لدى قلة من المعلمين يؤثر سلباً في أبنائنا وبناتنا ويدنس سمعة تعليم بلادنا.
ليس ببعيد عن الأذهان ما تداوله الإعلام الاجتماعي وانتشر من خلال وسائل التواصل الإلكتروني حول انتهاك حقوق الإنسان والإهانة غير المقبولة لأحد تلاميذ المرحلة الابتدائية من قبل أحد المعلمين، على الرغم من توسل التلميذ للمعلم بأن يعلمه القراءة. مؤلم جداً أن نشاهد ذلك التلميذ الذي يبدو -في نظري- متميزاً من خلال قدرته على الحوار في موقف صعب كهذا! هناك من يدافع عن التعليم بأن المعلم ربما يعاني مرضا نفسيا، وهناك من يرى أنها ممارسة فردية لا يُقاس عليها. وفي كلتا الحالتين، فإن الموقف ''مؤلم'' ولا ينبغي أن يمر دون عقاب رادع، والخشية أن هذه الحادثة هي قمة جبل الجليد. وفي كل الأحوال، إذا كان المعلم يعاني مرضا نفسيا فهي مصيبة، وإذا كان لا يعاني فالمصيبة أعظم! أين إدارة المدرسة في كلتا الحالتين؟ وهل قامت إدارة المدرسة بالتبليغ عن ملاحظات حول صحته النفسية أو الإخلال بواجباته وقسوة تعامله مع التلاميذ؟ وهل من الصعوبة اكتشاف قسوة المعلم وإخلاله بواجباته؟ أم أن الصعوبة في الإبلاغ عنه؟
لا أعتقد أن الأمر يقتصر على هذه الحالة، وإنما هناك حالات كثيرة يتستر عليها مديرو المدارس من منطلق مقولة: ''لا أريد أن أقطع رزقه''، مرددين المثل الشعبي الدارج ''قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق'' معتقدين خطأ أن لهذا المثل الدارج نوعاً من القدسية الدينية، وهم لا يعلمون أن التستر على مثل هذه الممارسة يُعد خيانة للأمانة.
أعتقد أن مستقبل التعليم لا يقبل التأجيل والتسويف، بل لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة، خاصة أن الأمور واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ولا تحتاج إلى تردد أو تريث. أولاً: لقد أصبح إدخال التقييم أو ''التقويم'' الدوري ضرورياً وعلى مستويات مختلفة، ويجب أن ينفذ من قبل هيئة مستقلة كأن تكون ''هيئة تقويم التعليم العامة'' الجديدة، وأن يُدار بمهنية عالية، بحيث يكون موضوع التقييم وتنفيذه بعيداً عن إدارات التعليم، وبعيداً عن إدارة المدرسة كذلك. وينبغي أن يشارك في تقييم المعلم الفئات التالية:
1) أولياء أمور التلاميذ لتقييم أداء المدرسة عموماً وعن جوانب تقصير بعض المعلمين إن وُجدت، خصوصاً.
2) ''الزملاء'' يشاركون في تقييم المعلمين.
3) الطلاب يقومون بتقييم المعلمين.
ثانياً: تغيير الأنظمة المعمول بها التي يستحيل معها فصل الموظف الحكومي عموماً، والمعلم خصوصاً، ما يجعل مدير المدرسة ومدير التعليم يتردد في الرفع بتقصير المعلمين، فيدعي بعضهم -كما سمعت مراراً- أن المعلم ''لن يُفصل'' في كل الأحوال، ومن ثم لن يجدوا إلا الندامة جراء تدخل المحسوبيات والشفاعات والعلاقات الشخصية. ثالثاً: العمل على بناء المعلم القدير ورعايته من حيث التدريب الدوري والحوافز المشجعة التي ترفع من شأنه وتمكنه من أداء رسالته العظيمة.