نمو الصين الاقتصادي يضعها في مسار تصادمي مع اليابان

نمو الصين الاقتصادي يضعها في مسار تصادمي مع اليابان

في خضم كل الضجيج الذي أثير حول الإصلاحات الاقتصادية التي دشنتها الصين الأسبوع الماضي، كان من السهل إغفال تغير مهم آخر. كانت الحكومة الصينية منهمكة في إنشاء مجلس أمن قومي خاص بها، والتنسيق بين جيشها ومخابراتها وأجهزة أمنها المحلية. وهو تغيير يقال إنه على أنموذج مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة. لكن ما يحدث في موازاة هذا التحرك الصيني هو ما تقوم بها حكومة شينزو آبي التي تعكف أيضا على إنشاء مجلس للأمن القومي في اليابان.
في الظروف العادية لا يمكن اعتبار هذا التحديث للجيش والأجهزة الأمنية سبباً للقلق، لكن هذه الأوقات ليست عادية. ففي العام الماضي انخرطت كل من الصين واليابان في مماحكات عسكرية خطرة، في وقت تدعي فيه الدولتان ملكية بعض الجزر غير المأهولة، وهي جزر تعرف لدى اليابانيين باسم سينكاكو ولدى الصينيين باسم دايويو. وخلال أسبوع واحد فقط حلقت المقاتلات اليابانية فوق طائرات صينية ثلاث مرات، رداً على طيرانها فوق هذه الجزر. وأثناء ذلك اشتكت الصين من أن سفناً يابانية اقتربت كثيراً، وبشكل استفزازي، من أسطول صيني كان يُجري تمارين بالذخيرة الحية. وفي وقت يزداد فيه التوتر بين البلدين، فإن تحديث الأجهزة الأمنية في كليهما يأخذ شكلاً منذراً بالسوء.
من الصعب تصديق أن هناك رغبة حقيقية لدى الصين أو اليابان في نشوب حرب بينهما، لكن الخطر الأكبر يكمن في أن يقود استعراض القوة الذي يمارسه البلدان حول هذه الجزر إلى وقوعهما في مصيدة حرب كلامية قومية يصعب إيقافها.
وكلا البلدين منخرط الآن في اتهام الآخر بالسلوك غير المسؤول وبمسوؤليته عن فقدان السيطرة على المشاعر الوطنية. ويقول كل منهما إنه عازم على استخدام القوة، إذا اقتضت الضرورة للدفاع عن مطالبته بهذه الجزر الصخرية غير المأهولة.
واستمعتُ أخيرا في بكين إلى جنرال من جيش التحرير الشعبي وهو يصر على أن الصين لن ترتكب أبداً أخطاء اليابان التي ارتكبتها في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما اتخذت العسكرة طريقاً للتعامل مع الدول الأخرى. لكن قبل أسبوع من ذلك استمعتُ إلى مسؤول ياباني وهو يستخلص نتائج مختلفة من التاريخ نفسه، حين قال "إن الصينيين يرتكبون بالضبط الأخطاء نفسها التي ارتكبناها في الثلاثينيات، وذلك بسماحهم للجيش بالتحرر من السيطرة المدنية، وهم يتحدون الآن القوة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي".
ومن الواضح أن أي صراع بين الصين واليابان، وهما ثاني وثالث أكبر اقتصاد في العالم، سيكون كارثة على العالم ومن الممكن أن يتحول إلى صراع عالمي. فهناك تعهد بأن تدافع الولايات المتحدة عن اليابان من خلال معاهدة الأمن اليابانية - الأمريكية. وعلى الرغم من قول الولايات المتحدة إنها لا تتخذ أي موقف رسمي حول من له السيادة على هذه الأراضي، إلا أنها تعترف بأنها تقع تحت السلطة الإدارية لليابان، الأمر الذي يعني أن هذه الأراضي مغطاة بمعاهدة الأمن بين البلدين.
والخلاف بأكمله يتشكل بسبب النمو المستمر للقوة الاقتصادية في الصين. وترجح أغلب التوقعات أن يُصبح الاقتصاد الصيني بحلول عام 2020 أكبر اقتصاد في العالم، ما يعني أن الصين ستستحوذ على هذا اللقب من الولايات المتحدة التي امتلكته منذ ثمانينيات القرن الـ 19. وعلى الرغم من أن لدى الولايات المتحدة جيش لا يمكن بأية حال مقارنته بالجيش الصيني، لا من حيث الحجم أو التطور، إلا أننا بدأنا نرى نمواً متزايداً على الإنفاق على الجيش الأحمر، في وقت بدأ فيه البنتاجون يقتصد في نفقاته. ومن ناحيتها أعلنت اليابان عن زيادة قليلة في ميزانيتها العسكرية، لكن اليابان غارقة في ديونها وتعرف أنها لا تستطيع مجاراة الصين في إنفاقها العسكرية.
هذه التغيرات التي طرأت على الثقل الاقتصادي والعسكري أوجدت حالة من اللبس حول مستقبل توازن القوى بين البلدين. وحالة اللبس هذه تغري القوى الكبيرة بامتحان حدود وقدرات الأطراف الأخرى. أما الشيء الذي زاد الأمر سوءاً فهو إرث التاريخ المرير بين البلدين. ويقول الرئيس الصيني، تشي جينبينج، إن إحدى المهام الرئيسة التي يضطلع بها الحزب الشيوعي هي هزيمة الإذلال التاريخي الذي عانت منه بلاده، الذي كان أهم جوانبه الاجتياح الياباني للصين. وفي اليابان تبنت حكومة آبي خطأ أكثر وطنية وخطاباً أقل تصالحية حيال ماضي البلدين. وأصبح الخلاف يأخذ شكل خلاف شخصي عميق بالنسبة للرجلين. فقد كان جَدُّ آبي ومعلمه هو من أدار منشوريا التي احتلها اليابانيون في الثلاثينيات، وفي الوقت نفسه كان أب الرئيس تشي جزءاً من القوات الشيوعية الصينية التي كانت تحارب اليابانيين.
وإذا كان على الصين واليابان أن تتجنبا الصدام المدمر للبلدين، فعلى كليهما تغيير الاتجاه الذي تسيران فيه. وسبق للصين أن رفضت إنشاء خط أزمة ساخن بين طوكيو وبكين، وهو أمر يمكن أن يكون مفيداً للبلدين. لكن هناك شيء أهم من ذلك يحتاج إليه كلا الجانبين، وهو اعتراف كل منهما بشرعية المخاوف وحالة الاستياء المتبادلة بينهما.
ووسط جميع الشكاوى حول النزعة الوطنية الصينية، أخفقت حكومة آبي في التعامل مع جوانب الإخفاق في اليابان نفسها. والصينيون ليسوا هم فقط الذين يشعرون بالاستياء الشديد من موقف اليابان تجاه تاريخها، بل كثير من البلدان الآسيوية الأخرى تشعر باستياء كبير بالدرجة نفسها. وفي وقت تسير فيه القوة اليابانية النسبية دون توقف نحو الانحدار في آسيا، فإنها لا تستطيع اتخاذ هذه المواقف الوطنية المتشددة.
لكن اليابان خائفة تحديداً من صعود الصين قوة عالمية، ولهذا تخشى من اتخاذ أية خطوة يمكن أن يُنظر إليها على أنها نقطة ضعف، لكن لأن الصين قوة صاعدة فيمكنها على العكس من ذلك أن تُبدي رحابة صدر وقدراً من الشهامة حيال اليابان. ويجب أن يكون واضحاً تماما أن الخلاف بين البلدين مهما كانت حدته، على الصين أن تقبل بأن يكون لدى اليابان مكان آمن ومحترم في النظام السياسي الصاعد في آسيا. فمثل الخطوة توفر ضمانة حيوية لحكومة طوكيو، وأيضا ستكون في مصلحة بكين بشكل كبير، لأنه ما دام السلام سائداً، فسيستمر صعود الصين بلا انقطاع.

الأكثر قراءة