الشركات المالية الفاشلة و«الوجبات السريعة» .. الحال واحدة

الشركات المالية الفاشلة و«الوجبات السريعة» .. الحال واحدة
الشركات المالية الفاشلة و«الوجبات السريعة» .. الحال واحدة

لعل أكبر مصدر أساسي للحيرة بخصوص تطور أنظمة الخدمات المالية، هو اعتبار أن الاستقرار المالي مكافئ لبقاء المؤسسات القائمة على قيد الحياة. لو كنتُ أحصل على مليون جنيه في كل مرة أسمع فيها اعتراضاً على فكرة ممكنة للإصلاح، لأنها: ''لن تكون قد منعت انهيار مصرفي نورثرن روك أو ليمان براذرز''، فلربما تجمَّع لدي الآن من المال ما يكفي لإنقاذ أحد البنوك.

هدف الإصلاح ليس الحؤول دون انهيار أي من مصرفي نورثرن روك أو ليمان. الواقع أن من المرغوب فيه تماماً أن تنهار مؤسسات من قبيل مصرفي نورثرن روك أو ليمان.
كانت لدى ''نورثرن روك'' خطط توسعية ذات طموح فائق واستراتيجية أعمال تبين أنها خاطئة (رغم أن كثيراً من الناس ظنوا في ذلك الحين، لأسباب وجيهة، أن الاعتماد على التمويل بالجملة، هو نقطة قوة وليس نقطة ضعف).

كان ''نورثرن روك'' يُدار – بصورة سيئة – لمنفعة كبار موظفيه وليس لمنفعة الزبائن أو المساهمين. في اقتصاد السوق يكون مصير هذه المؤسسات الانهيار، في حين أن الشركات المنافسة ذات النماذج العملية والهياكل الإدارية الأفضل، تكسب على حسابها. عملية الاختيار المذكورة، هي السبب في أن اقتصادات السوق لديها سجل مثير للإعجاب في تشجيع الكفاءة والابتكار.

#2#

المشكلة التي كشفت عنها أزمة 2007 – 2008 لم تكن هي أن بعض شركات الخدمات المالية كانت على حافة الانهيار، وإنما هي أنه لم تكن هناك سبل للتعامل مع إخفاقها، دون أن نُعَرِّض للخطر النظام المالي العالمي بأكمله.

مع ذلك، ألم يكن من الأفضل لو أن الإشراف التنظيمي المناسب عمل على ضمان ألا تقع أي مؤسسة مالية في فوضى على غرار أي من مصرفي نورثرن روك أو ليمان – أو رويال بانك أوف اسكوتلاند أو سيتي جروب أو المجموعة الدولية الأمريكية للتأمين؟ والجواب: لا، ليس من الأفضل. ما عليك إلا أن تستبدل عبارة ''المؤسسة المالية'' بعبارة ''محل الوجبات السريعة'' أو ''السوبر ماركت'' أو ''شركة صناعة السيارات'' في تلك الجملة، حتى يتبين لك مدى غرابة الاقتراح.

لنبدأ بالجانب العملي. من الصعب بما فيه الكفاية، أن نجد أناساً قادرين على إدارة مجموعات من الشركات المالية – فالسمعة الزائلة لجيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس، تؤكد ظني بأن إدارة هذه الشركات تفوق طاقة أي شخص. البحث عن كادر من الأشخاص العاملين برواتب القطاع العام، لاستباق القرارات التنفيذية، حلم لم يتمكن من النجاة حتى من أدنى درجات المعرفة بالذين يمارسون المهمات الإشرافية في الأجهزة التنظيمية. إنهم يكتفون بتعبئة الخانات لأن هذا هو ما يستطيعون فعله، وبالتالي يجدر بنا أن نهدف إلى تصميم هياكل تنظيمية يستطيع تنفيذها من يفعلون ذلك.

لدينا خبرة بالهياكل التي تأخذ فيها اللجان الإدارية أو التنظيمية في موسكو أو واشنطن مكان السوق، من حيث تحديد المعايير التي ينبغي بموجبها الحكم على منظمة ذات إدارة جيدة، وهذه الخبرة ليست مشجعة.

الحقيقة هي أنه في ظل بيئة متغيرة باستمرار، لا يعلم أحد على وجه اليقين ما أفضل وسيلة لإدارة المنظمات، وإنما نتعلم من خلال التجربة والخطأ.

أفضل طريقة لتعزيز الاستقرار المالي هي في تصميم نظام نشط يتمتع بالمرونة في وجه الفشل، وهذا هو السبب في أن آلية الحل الفعالة والقابلة للتطبيق هي الأساس والسبيل إلى الإصلاحات المالية المعقولة.

تم تحقيق بعض التقدم، لكن بصورة إجمالية لم يتحقق إلا أقل القليل؛ فخطط التصفية المستقبلة تبلغ درجة عالية من التعقيد، على نحو يجعلها غير قابلة للتطبيق على الإطلاق، ناهيك عن تطبيقها خلال ساعات. إنها لا تعتبر حلاً لمشكلة ''معقدة على نحو لا يمكن السماح بفشله''.

أظهرت عملية إنقاذ قبرص الفاشلة مدى بُعد الاتحاد الأوروبي عن هدف التوصل إلى برنامج ثابت للحل. فَهِمَ البرلمان القبرصي، حتى وإن لم يفهم صناع السياسة الذين يُفترَض فيهم أن يكونوا أكثر عمقاً، أن حماية الودائع هي الهدف الأساس للإشراف على البنوك. إن ما يفهمه الناس في الشارع، وهم على حق في ذلك، من الاستقرار المالي، هو الثقة بأن ودائعهم مأمونة.

لدينا الآن اقتراح لا يقل غرابة وجنوناً، وشبيه إلى حد كبير، لإنقاذ بورصات المشتقات الفاشلة، باستخدام الرهونات التي يودعها الزبائن. المنطق الصريح وراء ذلك هو أن إبقاء المؤسسة على حالها دون مساس، أهم من حماية مصالح زبائنها. لكن الصحيح هو العكس. ربما تستمر الخدمات (أو لا تستمر: أوسع الأسباب انتشاراً في فشل المنظمات التجارية، هو أن الناس لا يريدون منتجاتها).

لكن المنظمة الفاشلة التي قدمت هذه الخدمات لا تحتاج إلى البقاء، ولا ينبغي لها ذلك. وهذا ينطبق على مطاعم الوجبات السريعة ومحال السوبر ماركت ومصانع السيارات – وينطبق كذلك على شركات المنافع مثل الكهرباء والماء ونظام الدفعات.

لا تختلف الخدمات المالية عن ذلك، إلا لأن جماعات الضغط التي تعمل لمصلحة الشركات القائمة، تمتلك قوة عظيمة.

الأكثر قراءة