الوظائف الوهميّة تسرق أحلام الشباب ومدخراتهم

أهميّة وجود تصريح أو ترخيص أو سجل تجاري لمن يعمل في السوق تعني أشياء كثيرة؛ منها أن صاحب تلك الشركة أو المؤسسة مصرح له بالعمل، ومن ثم فإن كامل بياناته موجودة لدى الجهة المختصة بالإشراف والرقابة على ذلك النشاط، كما أن مصداقيته ليست محل شك ابتداءً، أما الذين يقتحمون الأنشطة المهنية والتجارية معتمدين على ثقة الجمهور بهم فإنهم يمارسون المخالفة القانونية أولا ثم يبيّتون النية السيئة ضد الغير، ثم يجنون أموالا غير مشروعة وغير قانونية، فضلا عن ممارستهم سلوكا غريبا على مجتمعنا الذي عهدناه خاليا من أساليب الاحتيال والنصب والغش وسائر السلوكيات التي ترفضها أخلاقنا وقيمنا.
لقد لاحظت شرطة منطقة الرياض أن هناك من يمتهنون تقديم خدمة التوظيف الوهمي، حيث تجري متابعتهم، وبحسب تصريح المسؤول فإن عقوبة السجن في انتظار مدّعي التوظيف غير المصرح لهم قبل تحويلهم مباشرة إلى المحكمة الشرعية، وأضاف في تصريحه أنه سيتم تصنيف القائمين على مكاتب التوظيف الوهميّة كمجرمي عمليات نصب واحتيال، وفي الواقع أن هذا هو التصنيف الصحيح؛ فليس بعد تسويق الوهم وخداع الشباب والشابات وتعليقهم بأمانٍ كاذبة سوى الوقوع في عالم الاحتيال؛ وهو للأسف الشديد ميدان يتسع ليشمل خدمات كثيرة كان منها نشاط الحج والعمرة، وقبل ذلك جمع الأموال، واليوم وظائف وهميّة.
فعلا الجهات الأمنية تتعقب أولئك المحتالين وترصد تحركاتهم، ومراكز الشرط تستقبل بلاغات المواطنين عن هؤلاء المحتالين الذين يدّعون التوظيف بمقابل مادي، والتحذير لا يتوقف من عدة جهات منها وزارة الخدمة المدنية، حيث يجري التنسيق بينها وبين الشرطة للقبض على أولئك الأشخاص الذين يختفون بعد جمع الأموال والإيقاع بالضحايا ويعمدون إلى تغيير عناوينهم وأرقام هواتفهم والاختفاء وسط الزحام هربا من المحاسبة والمحاكمة وإعادة الأموال. وهذه الجرائم الاحتيالية ليست ظاهرة ولكنها حالات فردية وجديدة تخفي وراءها جرأة على القانون، فضلا عن انعدام الضمير وإفلاس النفس من الأخلاق والقيم وانحدار إلى القاع في اكتساب الرزق.
نعم، لقد وصلت إلينا هذه الفكرة وسعى اللاهثون وراء المال لجمعه وتحصيله غير سائلين عن حلاله من حرامه، وكم هم أولئك في كل زمان ومكان، وإن وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية والأمن العام وأقسام الشرطة تدعو المواطنين إلى التعاون وعدم تصديق كل من ادّعى أنه يستطيع توفير فرص العمل، كما تحذر من أنها ستقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الجهات المختصة لإيقاف هذا النوع من النصب والاحتيال، وتحث المواطنين على عدم المشاركة فيه والتعاون مع الأجهزة المعنية للإبلاغ عن مسوّقي مثل هذا النشاط في مراكز البلاغات بأقسام الشرطة.
لقد سبق أن حذّرت الغرف التجارية الصناعية في الرياض وجدة والدمام من تزايد هذه الحالات؛ بعد أن وقفت على شكاوى حقيقية لضحايا تم استغلال حاجتهم إلى العمل، ومهما كانت الأسباب وراء هذا السلوك المشين فإن أقل ما يمكن اتخاذه بحق القائمين على هذه المكاتب ممّن ثبت قيامهم بالنصب والاحتيال هو إغلاق مكاتبهم وشطب تصاريح عملهم، بل يجب التشهير بهم بعد محاسبتهم قضائياً، فالبطالة هَمٌّ ثقيلٌ على الشباب والشابات ومَن ليس لديه ما يقدمه، فإن عليه الاعتذار لعدم وجود وظائف أو فرص يمكن تسويقها للعملاء من الشباب والشابات.
أما ماذا يمكن عمله، فإن من حق الشباب والشابات أن يتجاوزوا هذه المكاتب والتوجه إلى أرباب العمل مباشرة من خلال المواقع الإلكترونية للشركات والمؤسسات، التي توفر التقديم إلكترونياً، التي نجحت في أن تختار لوظائفها مؤهلين ومؤهلات دون الرضوخ لمكاتب التوظيف، التي إن سلم الشباب والشابات من النصب والاحتيال فإنهم لن يسلموا من شروط الابتزاز، ومن الواجب أن تحصل تلك المكاتب على مبالغ مقطوعة أو رسوم ميسّرة أو أن يتحمّل أرباب العمل من شركات ومؤسسات دفع الحقوق المالية بدلا من طالبي العمل الذين لا ينقصهم الإرهاق المالي وتحمُّل التكاليف المجحفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي