«الحج الكبرى» تختتم أعمالها بالدعوة إلى تقليل «النافلة»
رأى المشاركون في ندوة الحج الكبرى التي نظمتها وزارة الحج واختتمت أعمالها، أمس، ضرورة التخفيف والتقليل من حج النافلة للإنسان نفسه، أو تطوعا عن غيره، حيا كان أو ميتا، وذلك إيثارا لإخوانه، ومساعدة للمسلمين المكلفين الآخرين على أداء حج الفريضة بيسر وكمال وأمان، وذلك اعتمادا على القواعد والضوابط العامة للشريعة والضوابط الخاصة بتزاحم الأعمال، مؤكدين أن ترك التطوع بالحج أو تأخيره بنية التوسعة على هؤلاء الحجاج وتخفيف الزحام عنهم هو بحد ذاته قربة إلى الله تعالى.
وأكدت الندوة في بيانها الختامي أن فقه الأولويات فقه ثابت ومتأصل، يرتبط ارتباطا وثيقا بفقه الموازنات وبفقه المقاصد الشرعية، وأن الفهم الصحيح للشريعة يستلزم معرفة فقه الأولويات وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح إذا تعارضت أو المفاسد إذا اجتمعت، وهو ما طبقه السلف الصالح والأئمة المجتهدون وكبار علماء الإسلام وفقهائه بكل وعي وبصيرة، في جميع أبواب الفقه الإسلامي.
وأوضحت أن انضباط ميزان الأولويات في حياة المسلمين في ظروفنا الراهنة بات ضرورة شرعية وحاجة حضارية لإعادة الميزان في كل الجوانب المادية والمعنوية والفكرية والاجتماعية، نظرا لاختلال الموازين الشرعية في حياة كثير من المسلمين اليوم بين ما يقدم من الأحكام وما يؤخر، وبين المهم منها والأهم، وبين الفاضل والمفضول وبين الصالح والأصلح وذلك تبعا لقواعد جلب المصالح ودرء المفاسد، واتباعا لمبدأ التيسير والتخفيف عن العباد الذي أمرنا بأن نسلكه في جميع تصرفاتنا التعبدية.
وشددت على الحاجة إلى تأصيل مفهوم الأولويات، وبيان شروطه وضوابطه وأهميته في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الواجبات، وازدحمت فيه المسؤوليات، لنشر ثقافة فقه الأولويات بين المسلمين بعامة، لتكون عونا لهم على أداء عباداتهم وطاعاتهم بوعي وبصيرة وبأمان واطمئنان.
ولاحظت الندوة أن فقه الأولويات في الحج بخاصة قد ازدادت أهميته والحاجة إليه في الوقت الحاضر، نظرا للتزايد الكبير في عدد الحجاج واختلاف ثقافاتهم وتباين درجات وعيهم الديني والحضاري، حيث يرى المشاركون أن تطبيق فقه الأولويات من أعظم ما يسهم في تنظيم أداء شعيرة الحج وتيسير إقامتها على أحسن الوجوه، بما يحقق مقصد الشارع من تشريعها.
وأكدوا أهمية مراعاة فقه الأولويات عند الاجتهاد في مسائل الحج ولا سيما المعاصرة منها، كما تؤكد على ضرورة أن يكون الاجتهاد فيها موافقا لقواعد الفقه وضوابطه المرعية، ومحققا للمقصود الشرعي من هذه الشعيرة العظيمة، حماية لأحكام الشريعة من العبث، ومنعا من اتخاذ فقه الأولويات ذريعة للمساس بجوهر الدين وأركانه وأحكامه القطعية الثابتة.
وأشاد المشاركون في الندوة بجهود السعودية في التوسعات المباركة في الحرمين الشريفين وفي المنجزات العظيمة المتلاحقة والمستمرة في المشاعر المقدسة، ويرون أن هذه المشاريع العملاقة جاءت استجابة للنظر في المقاصد الشرعية والمصالح القطعية والتيسير ورفع العنت والحرج عن المكلفين ومراعاة لفقه الأولويات، ودعوا الأمة الإسلامية إلى أن تتفهم ما عمدت إليه حكومة خادم الحرمين الشريفين من تخفيف لأعداد الحجاج والمعتمرين بشكل مؤقت بسبب المشاريع المباركة القائمة لتوسعة المطاف والمسجد الحرام.
وشددوا على عموم المسلمين داخل السعودية وخارجها إلى الاستجابة لتخفيض النسب والالتزام بأعداد الحجاج والمعتمرين ما دامت هذه المشاريع قائمة تطبيقا لفقه الأولويات.
وأوصت الندوة جميع المؤسسات الإعلامية والأجهزة الأهلية والحكومية المعنية بالحج بأن تستثمر التقنيات الحديثة في إنتاج برامج توعوية شاملة للحجاج قبل قدومهم إلى الحج، لتعريفهم بالأولويات الشرعية المتعلقة بفريضة الحج، التي يجب على الحجاج معرفتها واستيعابها وتطبيقها، حسب قدراتهم وواقع حياتهم، ولتعزيز فقه الاستطاعة وفقه الأولويات في الحج في نفوس الحجاج وتحويله إلى واقع عملي في سلوكهم.
وأكدت أن على المؤسسات العلمية والمراكز البحثية والمجمعات الفقهية التنسيق والتعاون فيما بينها للعناية بفقه الأولويات وتطبيقاته المعاصرة لرفع الحرج عن المسلمين في كثير من الأحكام، وتدعو الندوة المؤسسات التعليمية والتربوية إلى إضافة مادة دراسية في المراحل المختلفة، ولا سيما في الدراسات العليا تعنى بفقه الأولويات للمواءمة بين التنظير والتطبيق في جوانب حياة الناس المختلفة.
ورفع المنظمون والمشاركون من رؤساء الجلسات والمحاضرين والضيوف الشكر والتقدير والعرفان إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحكومته الرشيدة، على رعايتهم الكريمة لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين وزوار مدينة رسوله الكريم.