FINANCIAL TIMES

أمريكا وإيران .. شكوك ومرارات خلف الابتسامات

أمريكا وإيران .. شكوك ومرارات خلف الابتسامات

سواء حدثت مصافحة بالأيدي أم لم تحدث، فالعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تغيرت بصورة حاسمة خلال الأسبوع الماضي. كان حسن روحاني، الرئيس الإيراني الذي انتخب أخيرا، هو اللمسة الرشيقة في وسائل الإعلام الأمريكية القديمة والجديدة، وكان مصدر جاذبية كبيرة وهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بطبيعة الحال، اعتاد الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، أن يكون مركز الاهتمام في الأمم المتحدة، لكن ذلك يعود إلى إنكاره محرقة اليهود في ألمانيا ومحاولاته الفظة في استدراج الحكومات الغربية لمهاجمته. وعلى العكس من ذلك، خرج روحاني عن هذا الطريق من خلال سلسلة من المقابلات والخطابات والرسائل الموجهة على تويتر، ليقدم صورة الرئيس العملي التواق لعقد صفقة نووية مع الولايات المتحدة. كانت هاتان الدولتان عدوتين منذ الثورة الإيرانية عام 1979، لكنهما بدأتا الآن تأخذان أولى خطواتهما الحذرة تجاه شكل من أشكال الانفراج الذي يحمل في طياته إمكانية تغيير السياسة في الشرق الأوسط بصورة أساسية. وفي النهاية لم يصافح الرئيسان بعضهما بعضا في الأمم المتحدة، كما كان يقال، لكن بدلاً من ذلك، شهدت نيويورك يوم الخميس أول اجتماع رسمي بين وزيري خارجية البلدين منذ 34 عاماً. وسأل جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، نظيره الإيراني، جواد ظريف: ''ما رأيك في أن نتوقف لحظة؟''. تقول سوزان مالوني، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، وهي الآن خبيرة في الشؤون الإيرانية في مؤسسة بروكينجز: ''هذا وقت مبكر للحكم على ذلك. سيحتاج الأمر لكثير من التجارب، لكن روحاني كان أكثر طموحاً مما كنت أتوقع أصلاً''. وتضيف: ''كانت علاقاته العامة منسقة ببراعة، على الرغم من خطابه الفاشل في الأمم المتحدة''. ولا يزال المسؤولون الأمريكيون والغربيون متشككين من احتمالات الوصول إلى اتفاقية يمكن أن توقف قدرة إيران على صنع قنبلة نووية. لكنهم على وعي تام بالفوائد العظيمة التي يمكن أن يجنوها من إعادة التقارب مع طهران. بداية، ستعمل الصفقة النووية على تقليل خطر ذهاب الولايات المتحدة إلى حرب ضد الجمهورية الإسلامية، وهي مغامرة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ويخشى بعض المسؤولين الأمريكيين من أنها ستستمر لسنوات، وتسبب اضطراباً هائلاً في الاقتصاد العالمي. وبالنسبة لإيران، سيقدم الاتفاق مع الولايات المتحدة والقوى الرئيسية العظمى إمكانية التخفيف من كثير من العقوبات التي خنقت الاقتصاد الإيراني، ومخرجاً من عزلتها الدولية. أما من وجهة نظر واشنطن، فإن إعادة التقارب ستسبب التوتر في العلاقات مع دول إقليمية ترى في إيران دولة هدفها السيطرة على المنطقة، وكذلك مع إسرائيل التي يمكن أن تشعر بأنها مجبرة على شن هجوم جوي ضد إيران إذا اعتقدت أن الصفقة ضعيفة. لكن ربما تعمل أي صفقة نووية قوية مع طهران على تسهيل التوصل إلى تسوية سياسية للحرب الأهلية في سورية. وإذا عملت العلاقات الأفضل مع إيران على التقليل من دعم طهران لحماس، فسيساعد ذلك في عملية السلام مع إسرائيل. وستكتشف كل من واشنطن وطهران أن لهما أعداء مشتركين ـ طالبان والقاعدة. ويقول ستيف كليمونز، وهو زميل أول في مؤسسة نيو أمريكا فاونديشن: ''حين نقول إن هذه لحظة استثنائية فليس معنى ذلك أننا منساقون وراء مشاعرنا، لأن التقارب مع إيران سيكون أكبر تحول إيجابي في الشؤون الدولية منذ نهاية الحرب الباردة وتطبيع العلاقات مع الصين. لكن إذا لم تنتهز الولايات المتحدة هذه الفرصة، فسيكون ذلك أكبر خطأ استراتيجي ترتكبه منذ اجتياح العراق''. وقدم هذا الأسبوع حتى الآن شكليات أكثر من المضمون، لكن عند الأخذ في الحسبان حواجز عدم الثقة التي تفصل الولايات المتحدة عن إيران، سنجد أن المسرح الدبلوماسي أصبح مهيئاً للعب أدوار مهمة عليه. وكانت الشكوك عميقة دائماً في طهران حول دوافع ''الشيطان الأكبر''. فقد كانت واشنطن حليفاً قوياً لنظام الشاه محمد رضا بهلوي التسلطي، كما سبق أن عمل انقلابا قادته الولايات المتحدة وبريطانيا على قلب رئيس وزراء إيران المنتخب، محمد مصدق، عام 1953، بعد أن سعى لتأميم صناعة النفط. أما الولايات المتحدة، فلم تنس من ناحيتها أزمة احتجاز الرهائن في سفارتها في الفترة بين 1979 و1981، أو علاقة إيران بنسف الثكنات العسكرية الأمريكية في بيروت عام 1983. وحاول روحاني استمالة الجمهور الأمريكي بندائه لوقف ''النزاعات الدموية'' والدعوة إلى ''محادثات تركز على النتائج وتهدف إلى بناء ثقة متبادلة''. واستخدم تويتر لإرسال رسالة لليهود في رأس السنة اليهودية الجديدة، حاول فيها إبعاد نفسه عن وصف سلفه للهولوكوست، بقوله: ''إنها مذبحة لا يمكن إنكارها''، على الرغم من اتهام بعض النقاد الأمريكيين له بأنه يحاول التلاعب بالحقيقة لتحسين صورته. ولم يكشف أي من الرئيسين عن أي شيء جديد أثناء خطابهما أمام الأمم المتحدة، لكن أوباما أرسل إشارات رمزية تجاه طهران، حين ذكر ضحايا الأسلحة الكيماوية العراقية في إيران، واستخدم لغة يحبها الإيرانيون عندما دعا إلى ''الاحترام المتبادل'' بين البلدين وقال: ''نحن لا نهدف إلى تغيير النظام في إيران''. وبعد الآمال العريضة، ستصبح الحقائق الصعبة واضحة، عندما تبدأ المفاوضات في جنيف يوم 16 تشرين الأول (أكتوبر). فعلى الرغم من كل النوايا الحسنة، فلا يزال هناك احتمال وجود انقسامات لا يستهان بها حول ما يجب عمله. فمن جانبها تريد طهران أن ترى تخفيفاً سريعاً للعقوبات، بينما سيكون للولايات المتحدة وآخرون قائمة طويلة من المطالب تتضمن تعليق تخصيب اليورانيوم عند نسبة عليا تبلغ 20 في المائة، وإغلاق مرفق الماء الثقيل في آراك الذي تشك الحكومات الغربية في أنه يمكن أن ينتج البلوتونيوم، وفي النهاية تجميد الأنشطة في مرفق التخصيب في فوردو. وفوق ذلك على الحكومتين أن تسيطرا على بعض المعارضة السياسية القوية في كلا البلدين، إذا أرادا تأمين صفقة. وأغلب العقوبات الأمريكية ناتجة عن قوانين سنها الكونجرس وكثيرون من أعضائه تنتابهم شكوك عميقة حول إيران، كما هو الحال لدى حكومة إسرائيل. وبدا روحاني مُقنعاً بالنسبة لكثيرين من الخبراء في السياسة الخارجية ومحرري الصحف الذين قابلهم في نيويورك، لكنه لم يُغير سوى رأي القليلين هذا الأسبوع في الكابيتول هيل. ويقول مايك روجرز، الجمهوري الذي يرأس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب: ''يعتقد الكثيرون منا أنه في الواقع لم يتغير نهائياً''. لكن بدلاً من رفع العقوبات، وافق مجلس النواب بالفعل على جولة جديدة من الإجراءات، التي ما زال مجلس الشيوخ يعمل على تحليلها. وإذا لم تحقق المحادثات سوى علامات قليلة مبكرة على النجاح، فسرعان ما سيجد أوباما نفسه متهماً بأن طهران خدعته بهدف شراء الوقت. وحتى لو استطاع المفتشون التأكد من أن مرافق إيران النووية هي فقط لإنتاج الوقود النووي للأغراض السلمية، فإن تاريخ طهران في عدم الكشف عن الحجم الكامل لمعاملها النووية سيجعل الكثيرين يرتابون ويعتقدون بوجود برنامج نووي عسكري مواز. في إيران يبدو حتى الآن أن العناصر المتطرفة أصبحت تحت السيطرة، خاصة بعد مطالبة القائد الأعلى، علي خامنئي، الحكومة بتبني ''مرونة بطولية'' في أية محادثات نووية. ومع ذلك هناك مخاوف بين حلفاء الرئيس من أن الأصوليين الذين لحقت بهم هزيمة نكراء في الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) الماضي، ينتظرون اللحظة المناسبة للقيام برد معاكس. ويقول أمير محبيان، أستاذ الفلسفة الغربية في جامعة آزاد: ''لدى روحاني ستة أشهر لكي يحقق نتائج في محادثات الأسلحة النووية قبل بدء حملات الانتخابات البرلمانية في إيران (في أوائل عام 2015)، وقبل أن تبدأ القوى الراديكالية حملة ضخمة ضد الرئيس. وإذا فشل روحاني في المحادثات النووية، فسنرى رئيساً آخر، أكثر تطرفاً حتى من أحمدي نجاد''. وفي عصر اليوم نفسه، الذي كان يتكلم فيه روحاني في الأمم المتحدة، كان قادة الحرس الثوري يتفاخرون في طهران أن التزامهم بالاستشهاد كفيل بهزيمة الولايات المتحدة. ويوم الثلاثاء، كان العميد علي فدوي، قائد قوات حرس السواحل البحرية يؤكد لمجموعة من الصحافيين أن قوارب إيران السريعة فعالة أكثر بكثير من ''السفن الحربية الأمريكية الكبيرة والبطيئة'' في مياه الخليج. وقال إن أفراد الحرس الثوري أكثر تحفيزاً. وأضاف: ''عندما تكون القضية مسألة حياة أو موت، فستتغير كل الحسابات، ما لم يكن الاستشهاد نعمة أكبر من الحياة''. وينصح كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيجي أندومنت في واشنطن، بتوخي الحذر عند الحديث حول إمكانية حدوث تقدم كبير في المحادثات: ''ربما لا تكون أصعب المفاوضات بين أوباما وروحاني، لكنها ستكون بين أوباما والكونجرس وبين روحاني وخامنئي. كلا الرئيسين مقيد بالسياسيات المحلية. لكن بالنسبة لمن يراقبون العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ فترة طويلة يبدو الوقت الحاضر لحظة نادرة ومبشرة بالخير لكلا البلدين. ومع ذلك، عليك أن تدير التوقعات وتتذكر حقيقة أن السنوات الـ 35 الماضية كانت محملة بآمال حدوث حالات من التقدم الكبير التي لم تُثمر أبداً''. وعلى الرغم من كل المعارضة السياسية، على القائدين أن يكونا حريصين على الوصول إلى اتفاقية. فقد انتُخب روحاني، لأنه وعد برفع العقوبات وإنعاش الاقتصاد الذي تشير الأرقام الرسمية إلى وصول التضخم فيه إلى نسبة 39 في المائة، والبطالة بين الشباب وصلت إلى 28 في المائة. ويقول اقتصادي إيراني: ''الاقتصاد الإيراني يسير بخط بياني منحدر. هناك خوف من أن تقع إيران في دائرة الفقر وتصبح مثل بنجلادش''. في الوقت نفسه، يعلم أوباما أنه إذا لم يتوصل إلى اتفاقية نووية مع إيران، فمن الممكن أن يجد نفسه في مرحلة معينة خلال السنوات الثلاث المقبلة في مواجهة خيار سياسي محفوف بالمخاطر – إما شن حرب يريد بكل قوته أن يتجنبها، أو القبول بإيران نووية. وإذا فعل الأمر الأخير، فلن يكون الجمهوريون هم فقط الذين يصفون رئاسته بأنها إخفاق في السياسة الخارجية، تماماً مثلما قضت إيران على سمعة الرئيس جيمي كارتر. وقال أوباما في الأمم المتحدة: ''ربما يتبين أن العقبات كبيرة جداً في طريقنا''. لكن يوجد لدى كل من الحكومتين أسباب سياسية قوية لتفعلا ما في وسعهما للوصول إلى اتفاق.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES