FINANCIAL TIMES

قاعدة «إيكيا» الذهبية : الزبون هو الأهم

قاعدة «إيكيا» الذهبية : الزبون هو الأهم

سيكون من السهل أن نعتقد أن دليل إيكيا حول كيفية تركيب رئيس تنفيذي يمكن أن يكون شيئاً على النحو التالي: خذ رجلاً سويدياً أشقر من جنوب البلاد، ألبِسْه قميصاً وبلوزة وبنطالا قطنياً، واجعله يؤكد على أهمية رؤية شركة التجزئة التي تقوم على ''حياة أفضل لكثير من الناس''، ثم أَحكِم شد كل شيء معاً. حين تلتقي بيتر أجنيفيال، الذي أصبح رسمياً الأسبوع الماضي، خامس رئيس تنفيذي لهذه الشركة السويدية التي مضى عليها 70 عاماً، تشعر بالإغراء لأن تعتبر أنه نسخة طبق الأصل عن ميكائيل أولسون، الرئيس التنفيذي السابق. كلاهما يتحدث بصوت ناعم، ويفضلان الحديث حول الثقافة الفريدة للشركة وتفاعلها مع الزبائن أكثر من الحديث عن الأرباح والأهداف. لكن حين تنقب تحت السطح تصبح الفروق واضحة. تعيين أجنيفيال يعيد تأكيد الاتجاه العام في أن منصب الرئيس التنفيذي في إيكيا هو عبارة عن مساعد للمؤسس إنجفار كامبراد، الذي ما زال يتمتع بنفوذ قوي. ويظل أولسون الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، كما أن مدة بقائه في المنصب، وهي أربع سنوات، تميزت بالفضائح في روسيا وفرنسا، كانت قصيرة بصورة استثنائية بمعايير الشركة. أجنيفيال لا يريد أن يكون طرفاً في أية مقارنة مع أولسون. ويقول وهو جالس عند طاولة مطبخ في المحل الجديد الذي افتتحته إيكيا في ألمهولت، وهي بلدة صغيرة تأسست فيها الشركة : ''لا أريد أن أقارن نفسي بميكائيل. أستطيع أن أتحدث عن نفسي وعما أفعله''. ويضيف : ''في الواقع، أعتقد أن البساطة والحس العام المشترك أساسيان من أجل الاستمرار في نجاح إيكيا، وعليك أن تثق بالناس. حتى الآن لم أشاهد قط قاعدة أفضل من الحس الفطري المشترك لدى الناس''. لكن عند مناقشة أولوياته باعتباره الرئيس التنفيذي لأكبر شركة في العالم لتجارة التجزئة في الأثاث، التي سجلت مبيعات بقيمة 27 مليار يورو في السنة الماضية، فإنه يتحدث بنغمة مختلفة، حيث يتبنى منهجاً يعتبر النقيض لاستراتيجية سلفه. وضع أولسون خططاً لتوسُّع لا يستهان به في افتتاح المحال الجديدة بمعدل 20 إلى 25 محلاً في السنة حتى عام 2020، ما دفع بكامبراد للخروج عن صمته المعهود ليعبر عن عدم قبوله بذلك. كما أن أجنيفيال، الذي كان مساعداً لكامبراد وكذلك مساعداً لأندرز دالفيج، الرئيس التنفيذي السابق، ومساعداً لأولسون في الفترة 2008 ـ 2009، انضم إلى المؤسس، قائلاً إنه لا يعترف بهدف 20 – 25 محلاً، وأن التركيز ينبغي أن يكون على تحسين محال إيكيا القائمة التي يبلغ عددها 300 محل أو نحو ذلك. ربما يكون قريباً من كامبراد، لكن تجارة التجزئة في دمه. وكان والد أجنيفيال يدير عدة محال للسوبر ماركت في مدينة مالمو جنوبي السويد، وكان ابنه يساعده في عطلة نهاية الأسبوع. وهذه التجربة علمت أجنيفيال عدداً من الدروس الأساسية المهمة. ويقول في ذلك : ''هذا يعلمك أن الزبون هو الشخص المهم. نعم، هذه ليست بالحقيقة العلمية المعقدة. جماع الأمر هو أن تكون لديك المنتجات المناسبة بالأسعار المناسبة حين يريدها الزبون''. هذا القول يلخص شخصية أجنيفيال وكذلك طبيعة إيكيا : أن يكون الشيء بسيطاً إلى حد المبالغة، مع جزء من الحكمة البسيطة. ولا يزال القسم الأكبر من فلسفة إيكيا يقوم على ''عهد تاجر الأثاث''، وهو سلسلة من البيانات المرحة والموجزة حول مبادئ الأعمال كتبها كامبراد عام 1976. لكن أجنيفيال اختار مساراً مختلفاً ودرس إدارة الأعمال في جامعة لينكوبينج في وسط السويد. وسرعان ما أدرك أن هواه كان في تجارة التجزئة حتى مع أن محال السوبر ماركت التي كان يديرها والده لم تكن محبوبة من الزبائن. لذلك بدأ العمل متدرباً في إيكيا عام 1995. وبعد سنة جاء أول دور مناسب له في قسم الأطفال في محال مالمو وألمهولت. ويتذكر أجنيفيال هذه التجربة على أنها فترة مثيرة في الوقت الذي بدأت فيه إيكيا الاهتمام بقسم الأطفال بصورة جدية. ويقول: ''كنا نبيع الأثاث، وكنا نبيع أغطية الألحفة، وكأننا إيكيا مصغرة إن جاز التعبير. بالنسبة لي كان ذلك المكان موقعاً رائعاً للتعلم، لأنني استطعتُ أن أعرف شيئاً ما عن جميع أنواع المنتجات وجميع أنواع المواد والأسئلة المختلفة التي يطرحها الزبائن حول سرير أو غطاء اللحاف''. وبعد ذلك عمل فترة في شركة إيكيا السويدية، وهي شركة مستقلة مسؤولة عن تطوير نطاق عالمي للمنتجات. وحدث ذات مرة، حين كان أجنيفيال يسعى لعملية شراء لقسم الأطفال، أن اضطرت إيكيا إلى إيقاف بيع نوع من الدببة الصغيرة لأنه كان هناك خطر في أن تسقط عيناه. وبدلاً من قطع العلاقات مع شركة التوريد، وهو ما كان يعني تسريح 600 عامل، أرسل موظفة مختصة بالتصميم إلى المعمل وتوصلت إلى تصميم حشية فامننج، وهي عبارة عن قلب أحمر ملصق به ذراعان. وأصبح أكثر المنتجات مبيعاً واضطرت شركة التوريد إلى رفع القوة العاملة إلى الضعف. ويقول : ''كثير من الشركات في تلك المرحلة كانت ستتخلى عن شركة التوريد، لكن لو فعلنا ذلك لكنا قد وضعنا عدداً كبيراً من الناس في موقف صعب. لذلك طورنا مجموعة جديدة من المنتجات، لكن دون هذه التفاصيل المهمة التي أصبحت مصدراً للخطر''. لكن حدث بعد ذلك انقطاع عجيب بالنسبة لرئيس تنفيذي مقبل لشركة إيكيا. فقد غادر أجنيفيال الشركة، وهو يصر على أنه التحق بشركة جولفستور، وهي شركة تجزئة تبيع منتجات الجولف في مالمو، ليعمل مديراً للتسويق، لأنه شعر بالحنين إلى موطنه، وليس لأنه شعر بالإحباط من إيكيا. ويقول إنه تعلم أمرين. ''الأول هو أني حصلتُ على فهم أفضل قليلاً لكيفية عمل الشركة. حين تبيع شيئاً، تذهب فاتورة هناك. أنت لا ترى هذا في شركة كبيرة. ثم إني أدركتُ مقدار حبي لإيكيا''. وهكذا عاد بسرعة إلى شركة الأثاث، حيث عمل أولاً في نطاق المنتجات ومن ثم في أشق مهماته، وهو أن يكون مديراً لأحد المحال في بادوا في إيطاليا، دون أن يتحدث كلمة واحدة من اللغة الإيطالية. وكان أول إجراء اتخذه هو التخلص من مكتب مستقل للمدير، حيث حوَّله إلى غرفة اجتماعات وكان يجلس مع بقية الموظفين. ويقول : ''كانوا ينظرون إلي. وشعروا بأن هذا أمر غريب للغاية، لكن من منظور سويدي نحن نريد أن نكون قريبين من فريق العمل، وقريبين من الناس، وبالتالي بالنسبة لي كان الوضع طبيعياً للغاية''. ثم هناك الفروق الصغيرة. ''الإيطاليون كانوا يشترون أكواب قهوتهم من قسم الأطفال في إيكيا، لأنها كانت مناسِبة أكثر للإسبريسو''. ويقر أجنيفيال بأن اللغة – سرعان ما تعلم كيف يقول ''نعم'' و ''لا'' و''جميل'' و''سيئ'' لكنه لم يتعلم شيئاً يذكر غير ذلك – كانت حاجزاً إلا أنه تعلم كيف يكون مباشِراً في أحاديثه. وهذا الطابع المباشر كان فرصة كبيرة بالنسبة إليه حين جاء دالفيج للزيارة. ويقول أجنيفيال بتواضعه المعهود : ''كنا نتناقش حول ما هو جيد وما هو سيئ، وكنتُ واثقاً من أنه لم يشعر نحوي بالارتياح على الإطلاق''. لكن الذي حدث هو أنه سرعان ما عُين مساعداً لدالفيج ومساعداً لكامبراد. وقضى أجنيفيال السنة الماضية في ظل أولسون وفي التحضير لقيادة إيكيا بما فيها من 139 ألف موظف. وأُعلِن عن رحيل أولسون في أيلول (سبتمبر) الماضي، وكان قراراً مفاجئاً لكنه أدير بعناية من قبل الشركة. وأولوية الرئيس التنفيذي الجديد هي رفع المبيعات إلى الضعف، لتصل إلى 50 مليار يورو بحلول 2020 وفي الوقت نفسه ضمان أن ثقافة إيكيا القائمة على القيم ستظل على قيد الحياة على الرغم من التوسع في الصين، وفي الهند، إن أمكن ذلك. وانتقل أجنيفيال مع عائلته إلى مقر الشركة في هولندا، لكنه يعترف بأن أثاثه ليس جميعاً من إيكيا. ويقول إن بعض المواد هي تحف أثرية. ثم يضيف: ''بين الحين والآخر، حين ندعو أصدقاءنا للعشاء أو ما إلى ذلك، يحبون أن يأتوا إلينا بشيء من خارج إيكيا لإغاظتنا، وبطبيعة الحال لا نستطيع أن نرميها. لكن ثق أن الغالبية العظمى من المنتجات الموجودة في بيتنا هي أثاث إيكيا''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES