شركة دكان باقر أبو علي
في صغري، كان هناك دكان صغير قرب بيت جدي يبيع المثلجات والحلويات والمرطبات وبعض المواد الغذائية الخفيفة، وكنا نطلق على هذا الدكان دكان باقر أبوعلي، نسبة إلى صاحبه العجوز الطيب، وكنت في كل يوم أربعاء أتشوق للذهاب لبيت جدي لأشتري من دكان باقر أبو علي. قبل أيام مررت بجانب هذا الدكان بعد طول غياب، وكان الدكان مغلقا، فأخذت بالتفكير في طريقة إدارة صاحب هذا الدكان لدكانه، وطريقة إدارة معظم الشركات المتوسطة لدينا.
في الماضي، كان باقر أبو علي هو مدير الدكان والمسؤول عن كل شيء فيه، فهو من يشتري البضائع، وهو من يسعّرها، وهو من يبيع على زبائنه، وهو الذي يقوم بالرقابة على موظفه الأجنبي. و كان أبو علي يقوم بكل هذا لوحده لأن حجم أعماله لا يتطلب بل لا يتحمل أن تكون هناك إدارة متكاملة لهذا الدكان الصغير جدا، وبطبيعة الحال، لم يكن أبو علي يحتاج إلى خطط إدارية و تسويقية أو أي عمل دعائي، فهو يعلم بالضبط كم سيربح في نهاية كل شهر، ويعرف زبائنه ومرتادي دكانه بالاسم، فكان تصرف أبو علي وقراره بالقيام بكل شيء قرارا منطقيا وحكيما جدا، وهذا ما جعل أبو علي يستمر في دكانه لأكثر من خمسين سنة.
الغريب أننا نجد الكثير من الشركات المتوسطة ــــ بحسب تعريف البنوك ــــ ما زالت تدار بطريقة أبو علي نفسها في إدارة دكانه، فصاحب الشركة بيده كل شيء، فهو من يوافق أو يرفض التوظيف، وهو من يضع كل الخطط التسويقية والإدارية والمالية، وإذا غاب صاحب الشركة توقفت كل القرارات داخل الشركة لأن كل شيء بيد شخص واحد فقط. الأغرب من هذا، أننا نجد أن هناك رجال أعمال يديرون شركات تبلغ مبيعاتها السنوية أكثر من 100 مليون ريال، وما زال عدد موظفيها لا يزيد على عشرة موظفين، فأين المشكلة؟.
المشكلة تكمن في مستقبل هذه الشركات واستمراريتها، فالنمو يحتاج إلى تخطيط واستثمار مالي وبشري، ولكي يجد صاحب الشركة المتوسطة الوقت الكافي للتخطيط الاستراتيجي، يجب عليه ألا يتدخل في جزئيات العمل الصغيرة، بل يجب إيكالها إلى موظفين مختصين، أو مساعدين إداريين، وكلما نما حجم الشركة، احتاجت إلى تطبيق مبدأ التخصص وتقسيم العمل أكثر. إن طريقة إدارة باقر أبو علي لدكانه لا تناسب الشركات المتوسطة ولن تساعدها على النمو.