عودة القانون المالي قبل 1999 يضبط المصارف الأمريكية

عودة القانون المالي قبل 1999 يضبط المصارف الأمريكية

قبل أسبوعين جادلتُ بأن قانون جلاس ـ ستيجل، الذي وضع في فترة الكساد العظيم وحظر على البنوك التجارية الأمريكية التعامل في المصرفية الاستثمارية والتأمين، ما كان ينبغي أن يُلغى، وأن شيئاً شبيهاً به كان ينبغي أن يعاد العمل به. وكان هناك رد فعل وآراء كثيرة. لذلك دعوني أعود إلى الموضوع.
بدلاً من أن ننظر إلى الإخفاق الواضح في حدوث الآثار الإيجابية المرجوة من إلغاء القانون عام 1999، دعونا نسأل عن الفكرة التي كان يرمي إلى تحقيقها قانون جلاس ـ ستيجل، وما الذي يمكن أن يتحقق الآن بفضل إعادة العمل به أو بشيء مشابه.
في ذلك الحين، كان هناك هدف يهيمن على جميع الأهداف الأخرى. كان الهدف هو عدم المساس نهائياً بأموال المودعين. وعانت الولايات المتحدة فوق الحد من تدافع العملاء على البنوك لسحب أرصدتهم، حين أدى فقدان الثقة لدى المودعين إلى الإطاحة ببنوك كانت ستكون سليمة بخلاف ذلك. وبالتالي قانون جلاس ـ ستيجل، حين جعل من الصعب على البنوك المخاطرة بأموال المودعين، فقد كان جزءاً لا يتجزأ من الإجراءات الرامية إلى الحؤول دون التدافع لسحب الأرصدة.
وكانت هناك عناصر أخرى. فالتأمين على الودائع، المدعوم بجهاز تنظيمي قوي ضَمِن أن تلتزم البنوك بالقواعد وألا تتجاوز حدودها، كان أمراً حيوياً. وكذلك كانت القواعد – التي أصبحت بصورة متزايدة غير مريحة في الوقت الذي ازدادت فيه قدرة الحركة لدى العملاء – الرامية إلى منع البنوك من عرض خدماتها في أكثر من ولاية. وهذا جعلها أصغر وأيسر من حيث ضبطها ومراقبتها.
لكن كان المفروض أن يعمل الفصل بين المصرفية التجارية والاستثمارية على الحؤول دون التدافع لسحب الأرصدة. وشهدت أزمة 2008 حالة شهيرة من تدافع العملاء لسحب أرصدتهم من بنك نورثرن روك في بريطانيا، وشهدت كذلك تدافعاً على الصناديق المشتركة، التي اعتبرها كثيرون بديلا مباشر لودائع البنوك. ويظل التحوط ضد التدافع لسحب الأرصدة أمراً مهماً، وهذا يبرر الفصل بين أموال المودعين وعزلها عن نشاطات التداول، وإن كانت هناك وجهات نظر بأن ذلك يتم دون الفصل التام على غرار جلاس ـ ستيجل.
الفائدة الثانية من جلاس ـ ستيجل، التي ربما بدت أقل أهمية لواضعي القانون، تمثلت في تثبيط توسع الأسواق الرأسمالية إلى مجالات كانت في السابق ضمن اختصاص مسؤولي الإقراض في البنوك.
وحين أُلغي الفصل غيَّر سلوك جميع اللاعبين، وليس فقط الذين اختاروا أن يصبحوا بنوكاً عالمية، تجمع بين قبول الودائع والمصرفية الاستثمارية تحت سقف واحد.
بالتالي الاعتراض الذي يتم التعبير عنه كثيراً، وهو أن المؤسسات التي انهارت مباشرة كانت البنوك الاستثمارية المتخصصة، والبنوك العقارية المتخصصة، وليست البنوك العالمية التي نشأت حديثاً، لا أساس له من الصحة. وأثَّر التغير في القواعد على الجميع. وانظر كيف كان رد البنوك الاستثمارية. كريس سلينجو، الذي يعمل الآن في مؤسسة MHW Associates لكنه كان يعمل في بنك مورجان ستانلي حين ألغي جلاس ـ ستيجل، يروي لنا الحكاية: ''كان مبعث خوفنا المباشر، أسوة بالبنوك الاستثمارية الأخرى، هو أن البنوك التجارية التي كان يُسمح لها في ذلك الحين بتقديم خدمات الأسواق الرأسمالية ستعرض قروضاً حين تتنافس على صفقات الاندماج والاستحواذ والأعمال الاستشارية الأخرى التي تتقاضى منها أتعاباً''.
وكانت البنوك التجارية قد عانت أصلاً الإذلال حين خسرت عدداً من أعمالها الأساسية إلى البدائل المدفوعة بالسوق. وحين حرمت من أعمالها في القروض قصيرة الأجل إلى الشركات الكبيرة من قبل سوق الأوراق التجارية، ربما شعرت البنوك التي تقبل الودائع بأن إلغاء قانون جلاس ـ ستيجل كان عادلاً إلى حد كبير.
وتفتقر البنوك الاستثمارية القدرة على تقديم قروض كبيرة وإبقائها في ميزانياتها العمومية. بالتالي أنشأً مورجان ستانلي لجنة خاصة، قرَّرَت ''أننا بحاجة إلى تحويل أصول القروض إلى أوراق مالية قابلة للتسويق، بحيث إننا حين نقدم القروض أثناء التنافس على الأعمال الحرة سيكون بمقدورنا توزيع هذه الأصول وتسليم الميزانية العمومية''.
وكان المقصود من ذلك أن يكون مناورة دفاعية لا أكثر، لكن الذي حدث، كما يقول سلينجو هو أنه ''كما هي الحال مع أمور كثيرة في العالم المالي، نحن كصناعة وجدنا أنفسنا أمام سوق جديدة كاملة في توزيع القروض''. وسرعان ما انطلقت مجموعات من الأدوات المالية التي جمعت حروف الأبجدية، مثل CDO (التزامات الديون المضمونة) وCDS (التأمين على القروض ضد الإعسار) وCLO (التزامات القروض المضمونة) وما إلى ذلك، في الوقت الذي اكتشفت فيه البنوك على جانبي هوة قانون جلاس ـ ستيجل أعمالاً جديدة ضخمة في تداولات الائتمان.
والمشكلة، كما اكتشف الجميع، هي أن هناك فرقاً بين الرعاية التي يوليها مسوؤل القروض عند تقديم قرض معين سيظل على الميزانية العمومية للبنك، وبين عدم الانضباط الذي ينشأ عندما يستطيع فوراً إبعاده عن قيود البنك من خلال التداول فيه.
إذن، رغم ما يبدو للوهلة الأولى فقد ساعد جلاس ـ ستيجل على تقييد ظهور هذا النوع من الثقافة التداولية للقروض. والقانون لم يستبعد هذا النوع من السلوك، على اعتبار أن التوريق المالي للقروض العقارية كان سابقاً على عام 1999 بكثير. لكن إلغاءه كان عنصراً أساسياً في السماح لهذه الثقافة أن تنفلت من عقالها.
هل ستعمل عودة جلاس ـ ستيجل على إعادة الجنِّي إلى القمقم؟ لا أظن ذلك. فالنظام المالي يعمل كما هو. مثلاً، صناديق التحوط التي لم تتأثر بجلاس ـ ستيجل، تقوم الآن بصورة متسارعة بأخذ أدوار البنوك.
لكن على نحو ما، الذين يقدمون القروض، أو الاستثمارات يجب أن يتحملوا عواقب أفعالهم. وكان من الأفضل لو لم يُلْغ جلاس ـ ستيجل. وإعادته لن تعيد النظام المالي إلى الوضع الذي كان عليه قبل عام 1999، لكن من المفيد تماماً أن هذا الخيار عاد إلى الجدل.

الأكثر قراءة