شاب يقلب المعادلة الاستثمارية بريادة الأعمال من الجنوب

شاب يقلب المعادلة الاستثمارية بريادة الأعمال من الجنوب
شاب يقلب المعادلة الاستثمارية بريادة الأعمال من الجنوب

يمكن أن يكون شريبي لافتاً للنظر حتى بين نخبة الموسرين الذين يمتلكون حقائب اليد برادا، أو النظارات الشمسية ماركة جوشي أو يلبسون ثياباً من ماركة شانيل في محال فريدريك كاسيل، التي تبيع المعجنات الفاخرة في الدار البيضاء، وهو يدير الرؤوس حين يدخل بسيارته بي إم دبليو من الفئة السادسة، ثم يوقف سيارته في صف مزدوج ويعطي البقشيش للعامل في موقف السيارات. وبعد ذلك، يأخذ كرسياً ويجلس على الشرفة، وهو يعتذر عن التأخير.

أوتسورسيا هو اسم الشركة التي شارك في تأسيسها، وهي الشركة التي ميزت نفسها رغم وقوعها في بيئة أعمال مزدحمة، حيث كلفة الدخول في حدها الأدنى. تطورت هذه الشركة خلال السنوات العشر من عمرها، من الصفر لتصبح شركة تستخدم 600 موظف في إفريقيا وأوروبا، وتدر عائدات سنوية تبلغ 14.6 مليون دولار.

يشتمل عملاء هذه الشركة في شركات كارفور وتوتال ورينو، وكذلك شركة ميدتيل، الناقل الثاني للسيارات في المغرب. وحتى في عام 2010، وأثناء ذروة الأزمة المالية التي عصفت بالعالم، اشترت شركة أوتسورسيا شركة أسكوم، المشغل لمركز الاتصالات الذي يقع مركزه الرئيسي خارج باريس، في مثال نادر على ابتلاع شركة من شمال إفريقيا لشركة أوروبية.

يقول الشاب المغربي البالغ من العمر36 عاماً بصوته الناعم: ''كان ذلك عملا شاقاً، ولكننا امتلكنا منذ البداية فريقاً جديداً. لدينا لجنة إدارية مركزية مكونة من الشباب المبدعين جداً في عملهم، وهذا واحد من أسباب قوتنا الرئيسة''. وهو يضيف أن هناك سبباً آخر جعل من شركة أوتسورسيا مستمرة في كسب الأعمال من أوروبا، وهو معاملتها لموظفيها، حتى لو كانوا من العاملين المصنفين بالدرجة الثانية، كاختصاصيين مهمين وقادة محتملين.

يعود الفضل في ذلك إلى إصلاحات السوق التي بدأت منذ 15 عاماً، التي جعلت من المغرب من البلدان الأكثر صداقة للأعمال، مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. يعتبر الطريق الواصل بين الدار البيضاء والرباط مقراً لمئات الشركات التي تستخدم نحو 55 ألف شخص، منها شركات تعمل كمراكز للمكالمات الهاتفية، أو توفر خدمات أخرى للشركات الأوروبية مثل الاستعانة بالمصادر الخارجية، مشَكِّلة بذلك النسخة الإفريقية الشمالية من مدينة حيدر أباد الهندية، ولكن بالنسبة للعالم الفرانكوفوني.

ولكن تعرض هذا القطاع الوليد للتهديد، بسبب الأزمة المالية التي عصفت بأوروبا، فقد انخفض نمو قطاع الاستعانة بالموارد من الخارج من 17 في المائة في عام 2010 إلى 10 في المائة في عام 2012، ثم ارتفع في هذه السنة بنسبة 5 في المائة. وفي الصيف الماضي، نجح شريبي بالتعاون مع رؤساء شركات مغربية أخرى تعمل في مجال الاستعانة بالموارد الأجنبية، في معارضة خطة للحكومة الفرنسية ترمي إلى التقليل من نسبة عمليات مراكز الخدمة الهاتفية في الخارج، وذلك بهدف استعادة الوظائف من المغرب إلى فرنسا.

#2#

خلال ذلك كله كانت استراتيجية ''أوتسورسيا'' هي التركيز في عملها القائم على الاستعانة بالمصادر الخارجية على النوعية وليس على السعر فقط. وعلى الرغم من سياسة شد الأحزمة على البطون التي ينتهجها أغلب عملائه، إلا أن شريبي يفاخر بأنه يخبر عملاءه بأنه ليس المحل الأرخص في البلد.

ويقول شريبي وهو يرتشف شراباً بارداً: ''لدينا طريقة مختلفة في الوصول إلى السوق، ونستطيع إنجاز العمل بنصف السعر الذي يمكن أن يقوم به موَرِّد من فرنسا، ولكننا لسنا الأرخص في المغرب. نقوم بعمليات تقديم الخدمات في مناطق الأفشور بدلالة القيمة، ونخلق قيمة لعملائنا ولزبائن عملائنا على حد سواء''.

نشأ شريبي وتربى في عائلة من الطبقة الوسطى من ذوات الموارد المتواضعة، وبدأ حياته العملية وهو لا يزال طالباً في المدرسة المشهورة إتش إي سي باريس. وقد أنشأ خلال وجوده في هذه المدرسة، مع زميل له مؤسسة ماركيتو، وهي عبارة عن منصة تواصل بين الشركات على الإنترنت، صممت لربط المشترين والبائعين في مؤسسات من الحجم الصغير والمتوسط. ثم باعا هذا الموقع في عام 2001 إلى شركة فيفيندي، المجموعة الفرنسية للوسائط الإعلامية بمبلغ لم يكشف عنه.

ثم، وأثناء عمل شريبي في شركة الاتصالات الفرنسية أورانج، اشترك مع زميل له يدعى فرانك بوليزي في تأسيس ''أوتسورسيا'' في عام 2003، واستخدما لذلك مبلغاً في حدود 100 ألف يورو أخذاها من مدخراتهما الشخصية كبذرة للبدء بأعمالهما. وبوليزي هو مؤسس لشركة اتصالات صغيرة، اشترتها منه فيما بعد شركة أورانج، وكان خبيراً بأعمال مراكز الاتصالات الهاتفية، وشريبي تخصص في وسائل الاتصالات. وقد اعتبر هذا المشروع أول مركز للمكالمات في المغرب، وبذلك تم تأسيس علامة تجارية ومجموعة من الزبائن المحبين للشركة قبل أن تتراكم شركات أخرى في السوق.

وقد حرصت ''أوتسورسيا'' كذلك على ألا تربط أعمالها في قطاع واحد، ناهيك عن أن تربط نفسها بعميل واحد. ولذلك يقول شريبي: ''لدينا 50 عميلاً، وهو ما يعني أن لدينا 50 شركة صغيرة، وهو ما يعني كذلك أننا لا نعتمد على عميل واحد''.

تطور موظفو ''أوتسورسيا'' ليكونوا أكثر من عاملين في مجال الرد على الشكاوي أو الاستفسارات، وأصبحوا يعملون على تطوير علاقات قوية ومستمرة مع الزبائن.
وهو يقول: ''تفضل الكثير من الشركات الفرنسية العمل مع شركة مثل شركتنا، وليس مع الشركات الكبيرة اللاعبة في السوق، لأننا نمتلك هذه الطريقة من الاستشارات. استحدثنا على سبيل المثال ''مختبراً'' يقدم منصات مفصلة بحسب العملاء للاختبار والتعلم بحيث تقدم له فرصاً لتجربة طرق جديدة في إدارة العلاقات مع الزبائن. وبعد تحليل النتائج التي حصلنا عليها، نقدم توصياتنا حول ما إذا كانت هذه الطرق ناجحة، أو ما إذا كان يفضل أن تتم الاستعانة بالموارد من الداخل أو من الخارج، أو من المصادر العادية أو من الأفشور''.

دشنت ''أوتسورسيا'' منذ عامين خدمات الوسائط الاجتماعية لمساعدة العملاء على التعامل مع الزبائن عن طريق ''فيسبوك'' أو تويتر، وهو يقول في هذا الصدد: ''كنا من الأوائل في المغرب الذين يقولون إن الوسائط الاجتماعية، هي قناة جديدة لإدارة العلاقات مع الزبائن''.

ويقول إن الموظف النمطي في ''أوتسورسيا'' هو شخص يعمل على حل المشاكل ويدير حالات العملاء المتعددين عبر منصات متعددة. بعض من الرجال والنساء المتمكنين من شبكة الإنترنت والمختصين في وسائل الإعلام الاجتماعية تم التعاقد معهم لهذا العمل من خلال وكالة التدريب والتوظيف الخاصة لشركة أوتسورسيا، وهي أكاديمية الأفشور. تدير هذه الوكالة قاعدة بيانات مكونة من 30 ألف سيرة ذاتية يتم تحديثها باستمرار، كما يقول شريبي. ويضيف: ''توظيف المواهب الشابة اليوم هو واحد من الأعمال الأساسية لدينا. عندما نقوم بتوظيف شخص ما، نحن نركز بشكل رئيسي على هذه الأنواع من القدرات - الاستقلال الذاتي، والإبداع والنزاهة والمرونة''.

ويشمل المتدربون في الأكاديمية في الدار البيضاء حتى الموظفين من المنافسين، الذين يحتاجون إلى تعلم كيفية التعامل مع المطالبات وكتابة رسائل البريد الإلكتروني السليمة أو تهدئة المتصلين الغاضبين.

الأكثر قراءة