نبذ «التمييز» بين القيم والقانون

في الأسبوع الماضي تناولت في هذا المكان الحلقة التي عرضتها قناة روتانا عن المبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة، التي سلطت الضوء على العلاقة بين الطلاب السعوديين على اختلاف مناطقهم ومذاهبهم وقبائلهم، وذكر أحد الذين ظهروا في الحلقة أن الملحقية السعودية هناك تعامل الجميع كأسنان المشط، ولمست هذا بنفسي خلال فترة دراستي هناك، وكانت الملحقية تتصدى لأي حالة خلاف بين الطلاب، خصوصا المذهبي منها، بشكل صارم تطبيقا لأنظمتها وأنظمة المملكة والأنظمة المعمول بها في الولايات المتحدة.
إلا أنه لا يكاد يخلو بلد من بلدان العالم من حالة أو شكل من أشكال التمييز، سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الاجتماعي، إلا أننا نجد أن اختلاف مستوى التمييز يتباين تباينا واضحا من بلد إلى بلد، ومن مجتمع إلى مجتمع. فبينما وصل أوباما الأسود إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، ما زالت هناك بعض الدول الإفريقية تمارس الرق، وتعتبر النخاسة فيها من أفضل الأعمال ربحية، وهنا يسأل كل عاقل هذا السؤال: لماذا هذا التباين؟ ولماذا يكون هناك تمييز في بعض الدول العربية والإسلامية، بينما قيمنا الدينية تنبذ كل أساليب التمييز بين الناس على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي؟ لماذا يكون هذا التمييز بينما تراثنا مملوءا بالكثير من المقولات والأمثال التي تجسدت في التاريخ الإسلامي، والتي تحث على مكارم الأخلاق والعدل بين الناس؟
إن كل ما ذكرته أعلاه يندرج تحت اسم القيم والأخلاق، أي أن العدل في النظر للآخر، ومعاملته بشكل متساو مع غيره من شركائه في الأرض أو في الإنسانية، أمر متروك لمدى تمسك الإنسان بدينه وقيمه وتراثه، وكل مجموعة من الناس تختلف في درجة تمسكها بقيمها الدينية أو الاجتماعية، بل تختلف حتى في تفسير هذه القيم ومدلولاتها. نستطيع كتابة آلاف المقالات والكتب عن نبذ التمييز والعنصرية، إلا أن تأثير كل هذه الكتب أو المقالات سيبقى محدودا جدا، لأن أمر الالتزام بها من عدمه متروك للفرد، بمعنى آخر، ليس هناك ما يلزم بالالتزام بها. إلا أننا لو حولنا هذه القيم الدينية والإنسانية الراقية إلى مجموعة من القوانين التي تلزم الجميع الالتزام بها، وطبقنا هذه القوانين على أرض الواقع، سيتم الالتزام بها من الجميع، من يلتزم بالقيم ومن لا يلتزم بها، وستتحول مع مرور الوقت إلى سلوك إنساني بدهي، لتكون قيما ولكن قانونية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي