من يزرع الوعي؟
الوعي هو إدراك المشكل وتصحيحه، والإحاطة بنتائج التصحيح السلبية والإيجابية، ولكن الوعي كأي رسالة تحتاج إلى عناصر وهي، مرسل، ووسيلة ومتلقي، وردة الفعل والبيئة المحيطة المؤثرة على الرسالة. وإذا ربطنا هذه العناصر بالواقع المحيط بنا، نكتشف أننا قد نمتلك بعض عناصر إيصال الوعي، ولكننا نفتقد لبعض العناصر المهمة أيضاً. ولا بد هنا من الربط بين النظرية والواقع لتوضيح ما هو المقصود بمن يزرع الوعي.
في كل مجتمع، لا بد من ولادة طبقة النخبة، وبحسب حضارية المجتمع من عدمها تعرف هذه النخبة، ففي المجتمعات البسيطة كانت النخبة هي أصحاب المال، وفي المجتمعات الحضارية ''فكرياً'' تكون طبقة المفكرين هي النخبة، وبين هذا وذاك نخب مختلفة كل بحسب بيئته. فقبل الاستقلال الأمريكي عن التاج البريطاني كانت نخبة الجنوب الأمريكي هم تجار الزراعة، فكانت مجتمعاتهم تنساق بحسب مصالحهم هم. هنا قد يقول قائل إن التجار لا يصلحون أن يكوِّنوا نخبة اجتماعية، ونقول قد يكون هذا صحيحا، ولكننا نتكلم عن واقع وليس مُثُلا. إذاً فالنخبة في أي مجتمع هي التي تنقل الوعي ''التغيير الإيجابي'' لأفراد المجتمع، ولو عدنا للمجتمع الأمريكي خلال الحرب الأهلية، سنجد أن الجنوب عندما عارض أبراهام لنكن في تحرير العبيد، قد عارضه من منطلق مصلحة المزارعين والتجار في استخدام العبيد في الإنتاج الزراعي، وساند الشماليون لنكن في خطوته لعدم حاجتهم للعبيد أصلاً، بل كانوا عبئاً عليهم. فهل نستطيع أن نقول إن الشماليين كانوا يمارسون حالة وعي ساقتهم لتأييد تحرير العبيد؟ وفي المقابل هل يقول أحد إن الجنوبيين كانوا يمارسون حالة وعي في موقفهم؟
إن الوعي كما قلنا لا يتجزأ، فإما أن تكون واعيا، أو لا، والوعي هو مصداق لما أسماه كانت بالـ Good Will وهو مصطلح يصف الشيء الصحيح لعينه، وليس لمؤثر خارجي أو مكمل، كالصدق أو العدل. إذا،ً إذا ادعينا بأن الوعي هو الوصول للحل الصحيح للمشكل القائم، فإننا في حاجة لمن ينقل الوعي للوعي، وليس لغاية أخرى، أي أن تكون جهود الإصلاح للإصلاح نفسه.
إذا عدنا لمجتمعنا الصغير، وسألنا سؤالاً بسيطاً وهو على من تقع مسؤولية نشر الوعي بين أفراد المجتمع؟ هل تقع على رجال الدين؟ أم على المفكرين؟ أم على الوجهاء؟ أم على الكتاب؟ بنظرة سريعة حول كل واحد منا نستطيع أن ندعي بأن أحداً من هؤلاء لم يستطع حتى أن يضع قدم المجتمع على أولى درجات الوعي، ونحن نعني هنا الوعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني. لماذا لم يستطع علماء الدين نشر الوعي؟ ولماذا لم تستطع شرائح المجتمع بمختلف مشاربها منذ الأربعينيات حتى السبعينيات أن تنشر الوعي؟ ولماذا لم تستطع المنابر أن تنشر الوعي؟
كل هذه الاستفهامات تدور بعقل كل واحد منا، ولكن الخوف والتابوهات المبنية في عقولنا تمنعنا من الإفصاح والبوح. لماذا نحن ''الناس البسيطين العاديين'' نكون فحماً لحروب داخلية اجتماعية لا ناقة لنا ولا جمل بها، بل إننا نستخدم كوقود لقطاراتهم السائرة نحو أهدافهم هم.