حقا إنه زمن الأقزام
إن استبدال مبادرة بيروت العربية عام 2002 بمبادرة الدوحة الحالية له مدلولات كبيرة وخطيرة، ويفسر ما يحدث من تغيرات سياسية في المنطقة، وفي الدول العربية تحديدا ويربط بينها وبين أحداث ما يسمى الربيع العربي أو نظرية الفوضى الخلاقة، التي بشّرت بها كوندليزا رايس، فتغييب العراق ومصر وسورية من المشهد السياسي، وخطف قرارات الجامعة العربية يكشف المخطط الذي سبق المبادرة ومهد لها، وكسابقاتها فلا تولد أي مبادرات بشأن القضية الفلسطينية إلاّ بعد إشغال الأمة في نفسها بحروب وفتن وأحداث دامية.
يقول الأستاذ: وأعني بالأستاذ المفكر الكبير محمد حسنين هيكل ''ليس كل التاريخ مؤامرة، لكن المؤامرة موجودة في التاريخ''، وفي هذا السياق نجحت إسرائيل في خلق أدوات جديدة في المنطقة أو زرع ''نبات شيطاني'' في داخل الدول العربية ومن بني جلدتها يحقق أهدافها -أي أهداف إسرائيل- بشعارات قومية ولواءات إسلامية، يدعي دعمه لخيار المقاومة ويطبّع مع إسرائيل، يحارب مشروع إيران النووي السلمي ويتناسى الرؤوس النووية الإسرائيلية، يتباكى أمام مشاهد القتل في سورية ولا يحرك ساكنا عند دماء الشهداء الفلسطينيين، قال تعالى: ''إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ''.
إن تقسيم المنطقة إلى كانتونات على أساس عرقي وديني وتوظيف الشحن الطائفي والمذهبي لتفتيتها إلى أجزاء بما يخدم أمن ومستقبل إسرائيل ويمهد لطرد عرب 1948 من إسرائيل هي أولويات الاستراتيجيات الصهيو - أمريكية، خصوصا بعد انتهاء صلاحية اتفاقية سايكس - بيكو، ويتضح ذلك من خلال مشروع بيرنار لويس الداعي لتقسيم الشرق الأوسط بما ينسجم مع الرؤى والاستراتيجيات الصهيونية، الذي صوت عليه الكونجرس الأمريكي بالإجماع عام 1983.
يقول المُبدع فاروق جويدة: ''اختفى من دائرة الاهتمام الصراع العربي - الإسرائيلي، بل إن أصحاب الوطن أنفسهم نسوا قضيتهم الأولى وهي العودة والأرض وتقرير المصير وانقسموا إلى تيارات وفئات ومراكز قوى، وبدلاً من مواجهة إسرائيل أصبحت مواجهة إيران والمد الشيعي هي الأخطر والأهم، وأصبح أحمدي نجاد عدو المسلمين والعرب وليس نيتنياهو أو بيريز، وسقط حسن نصر الله من سجلات البطولة إلى سجلات الخونة والعملاء، وبدأت القوات العربية تستعد ليس للحرب ضد إسرائيل، لكن للوقوف مع إسرائيل في حربها مع إيران، وبدأت الدول السنّية تعد جيوشها وشعوبها لمواجهة المد والاحتلال الشيعي الذي تتجه حشوده إلى العواصم السنّية ليصبح الصراع السنّي - الشيعي حديث الحكام والشعوب، وأن يستعد الجميع، لأن جيوش إيران الفارسية الشيعية الزاحفة هي العدو الحقيقي الذي يهدد مصائر العرب والمسلمين، لا أحد يعلم إلى أين تسير بنا الأحداث ونحن أمام مؤامرة كبرى لهزيمة العرب والمسلمين بأيديهم وليس بأيدي قوى أخرى ...'' انتهى.
وتؤكد صحيفة ''الفاينانشيال تايمز'' البريطانية تعاظم الدور القطري في الأزمة السورية، وأنه أصبح أمرا مثيراً للجدل، وأن هناك مشروعا يتعمد إغراق سورية في الفوضى والاقتتال، وتضيف الصحيفة: إن ''الدولة الصغيرة ذات الشهية الضخمة'' تعد أكبر مانح مساعدات للمعارضة السياسية السورية، حيث تقدم مِنحاً سخية للمنشقين، وإن إجمالي الإنفاق على الأزمة السورية حتى الآن بلغ ثلاثة مليارات دولار. انتهى .
إن القبول بمبادرة الدوحة باستغلال الضعف العربي المخطط له يضرب المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية ويقضي على آخر أمل لتحقيق أدنى المطالب وهي ''الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، عودة اللاجئين الفلسطينيين - حق العودة - الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة في الجولان ولبنان''، ولم يتبق بعدها إلاّ أن نقول لأمتنا عظم الله أجركم.