المنشآت الصغيرة والمتوسطة .. من المساندة إلى المبادرة

حتى في الاقتصادات الكبرى، تمثل المنشآت الصغيرة والمتوسطة محوراً رئيساً في الحراك الاقتصادي والاجتماعي أيضاً. وفي بعض الاقتصادات، تعد استعانة المؤسسات والشركات الكبرى بهذه المنشآت والتعاطي المباشر معها، شكلاً من أشكال الوطنية. على اعتبار أن هذه الاستعانة ''أو التعاون'' توفر فرص عمل، وفي الوقت نفسه تشرك القاعدة العريضة في حراك التنمية، فضلاً عن أن التعاون الفعلي بين المنشآت الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، يوفر مكتسبات ربحية لـ ''الكبيرة''، بما في ذلك الاعتماد على بعض منتجاتها التي تدخل في سياق المنتجات الثقيلة. وبالفعل، فقد أثبتت هذه العلاقة الصحية، جدوى اقتصادية عالية لجميع أطرافها. وهي علاقة قائمة بقوة في دول مثل اليابان والصين والولايات المتحدة وعدد كبير من دول أوروبا. فالتنمية، حتى في الدول التي نمت، تتطلب مثل هذا التعاون أو تلك الاستعانة، أو العلاقة المشار إليها.
وعلى الرغم من أن نسبة المنشآت الصغيرة والمتوسطة غير العاملة أو المغلقة تصل إلى 29 في المائة من العدد الكلي لها في المملكة، إلا أن النسبة الأهم ليست قليلة، بل مرتفعة في بلد، ما زال في خطواته الأولى على صعيد تمكين هذه المنشآت. ففي العالم العربي بشكل عام، لا تزال مسألة إشراك المنشآت المذكورة في التنمية، على السطح وليس في العمق، بل تدخل في بعض البلدان في نطاق العمل الخيري! وفي بعض البلدان تنظر لها الشركات الكبرى، كمنافس! وهي بالتأكيد ليست كذلك، ولن تكون. وعلى هذا الأساس، فعندما تكون 71 في المائة من هذه المنشآت في المملكة ناشطة وفاعلة، هذا يعني أن الأمور تسير نحو الاتجاه الصحيح. مع ضرورة الحرص على تطوير أدائها، وتوفير الفرص اللازمة لها لكي تنمو أكثر، ولكي تسهم بصورة أكثر فاعلية في النهضة الاقتصادية الشاملة. واللافت أيضاً، أن عدد المؤسسات الفردية من مجموع المنشآت العاملة بلغ 688 ألفاً، أو ما يقرب من 85 في المائة في إجمالي المنشآت.
هذه النسب تؤكد مجدداً أن الاستراتيجية الاقتصادية التي تتبعها المملكة في هذا المجال، تعطي نتائج جيدة، وستكون نتائجها أفضل، إذا ما خضعت للتطوير الدائم، ومعه بالطبع تشجيع تنويع طبيعة عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث يتكرّس دورها في المرحلة المقبلة بصورة أعمق في الحراك العام. علماً بأن النسبة الموزعة على طبيعة عمل المنشآت المذكورة، ليست سلبية، بما في ذلك 48 في المائة منها تعمل في الأنشطة التجارية، و11 في المائة في الصناعات التحويلية، و10 في المائة في الخدمات. يضاف إلى ذلك نقطة مهمة، أن 99 في المائة من المنشآت الصغيرة ''تحديداً'' يملكها سعوديون. ومع التشجيع والمخططات العملية، يمكن أن تصل نسبة المنشآت المتوسطة إلى هذا المستوى على صعيد ملكية السعوديين.
لا شك في أن الدعم الحكومي لهذه المنشآت يمثل حجر الزاوية. وهي بالفعل تحصل على دعم ضروري لها منذ انطلاقها. وإذا ما اقتربت هذه التجربة المهمة إلى مرحلة النضج، سنجد أنها ليست في حاجة للدعم الحكومي، بل ستكون هي نفسها داعماً للتنمية الاقتصادية في البلاد. ولعل من النقاط المهمة الأخرى، أن دعم الحكومة يشمل بصورة أساسية توفير عمليات التدريب والتأهيل. فإعداد الفرد في مجال محدّد، هو في حد ذاته جزءٌ من الثروة الوطنية. وضمان الوظيفة فقط في هذه المنشآت ''دون تأهيل''، لن يكون كافياً للاستمرار أو للاستقلال عن الدعم الحكومي في المرحلة اللاحقة. إن المنشآت الصغيرة والمتوسطة ينبغي أن تكون في المستقبل قطاعاً ليس مسانداً فحسب، بل مبادِر مبتكِر أيضاً في ظل أداء اقتصادي صحي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي