أين عباقرة التدريب؟
لا صوت يعلو هذا الصيف على الصفقات التي تعلن عنها الأندية بين الحين والآخر في مزاد بورصة انتقالات اللاعبين التي أصبحت تتضخم بشكل خرافي، رغم انتهاء عقود الرعاية وشح الموارد المالية للأندية والانخفاض الكبير في مستوى الكرة السعودية بشكل عام الذي أثر في إنتاج نجوم تستطيع أن تصنع لها اسماً في عالم كرة القدم حتى تستحق هذه المبالغ الكبيرة!
هذه الأسعار الخيالية قادتني إلى أن أطرح سؤالاً مهماً وهو: كيف للأندية (المديونة) أن تفي بمتطلبات المرحلة القادمة من معسكرات وعقود للأجهزة الفنية واللاعبين المحترفين والمحليين ورواتب شهرية لجميع العاملين في النادي في ظل الأزمات المالية التي تعانيها؟
في سياق البحث عن إجابة لهذا التناقض الكبير دخلت في حديث شيق مع أحد الأصدقاء - مسؤول سابق في مدرسة الهلال الكروية - عن آلية العمل في الفئات السنية في السابق وكيفية استقطاب المواهب عندما كانت الكرة تزخر بموهوبين في عصر الهواية ودون أي مقابل مالي!!
أولى نقاط الحديث تمحورت حول افتقاد الأندية المدربين العباقرة الذين كانوا يشرفون في السابق على الفئات السنية أمثال بروشتش وكوبالا وفرناندو.. هؤلاء المدربون كانت لهم بصمتهم التدريبية ورؤيتهم الثاقبة في مجال اكتشاف المواهب حتى إن بروشتش طلب من مسؤول في رعاية الشباب أن يأذن له في زيارة المدارس للبحث عن المواهب الناشئة، وفي المقابل فإنه لا يهمل المواهب التي يشرف عليها بمنحها وقتاً إضافياً من أجل تنمية مهارات خاصة لمن هو في حاجة كما فعل مع ماجد عبد الله وفيصل الدخيل في التدريبات الخاصة بضربات الرأس والتسديد.
البحث عن المواهب والتدريبات الخاصة وتوظيف اللاعبين التوظيف السليم وسياسة التحفيز للنجوم والحس التدريبي الذي يملكه هؤلاء المدربون الكبار، كلها كانت عناصر تتكامل مع الإداريين الذين يملكون الخبرة والكشافين الذين يلتقطون المواهب بحس كبير، وفي النهاية تنعكس مخرجاتها ببزوغ نجومية اللاعبين في مختلف الفئات السنية.
هذا العمل التكاملي الكبير لم تقتصر نتائجه على أمر دون آخر، بل قاد هؤلاء المدربين العباقرة إلى إنتاج مواهب تقدِّر الشعار وتقنع مدربين بحجم زاجالو وتيلي سانتانا ومانيلي بأن يجدوا لهم مكاناً مع النجوم الكبار في النادي والمنتخب، لذا لم يكن من المستغرب وفقاً لهذه الاحترافية في عصر الهواية أن يحظى عمالقة التدريب في الفئات السنية بثقة رؤساء الأندية في تدريب الفريق الأول.
اليوم سياسة الفئات السنية انقلبت رأساً على عقب؛ فالمدرب ليس هو المدرب، والكشاف لم يعد هو الكشاف، والإداري الخبير لم يعد خبيراً، ومواهب اليوم ليست كمواهب الأمس، ومع ذلك فإن مؤشر بورصة الانتقالات أخضر، والمضاربات لا تزال تقدم صورة خادعة للوسط الرياضي بأن كرتنا بخير ونجومنا يستحقون كل هذه المبالغ الخيالية، والضحية أولاً وأخيراً أندية تتسول بحثاً عن نفسها قبل مرحلة الخصخصة، ومنتخب لا يقدم أي شيء في عصر ثراء هذه المواهب!