جامعاتنا والمنابر الفكرية والعلمية

تمثل جامعة الملك عبد الله حلما لأي شعب عربي بأن تكون في بلده جامعة كهذه الجامعة، فالإشادة بهذا المشروع شيء مفروغ منه، وليس هذا موضع نقاش أو أخذ ورد. والمهم في هذه الجامعة أنها بعيدة كل البعد عن التيارات الفكرية المتصارعة في المملكة، لكيلا تتحول هذه الجامعة إلى منبر مسجد، أو منصة لأي أحد.
ولكن الاستمرار في تسليط الضوء على هذه الجامعة هو المشكلة الحقيقية التي يمكن أن نواجهها في الفترة المقبلة، وهي مشكلة إن حصلت ستكون مشكلة مكررة واجهتها المملكة قبل هذا بعقود. بعد تأسيس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عام 1963م، انصب معظم الاهتمام الرسمي الحكومي على هذه الجامعة وتطويرها، تم إهمال بقية الجامعات كجامعة الملك سعود في الرياض أو الملك عبد العزيز في جدة، والجامعات الإسلامية الأخرى.
ولسنا بحاجة للقول إن ميزانية جامعة كجامعة الملك سعود في الرياض قد تكون ضعف المخصصات المالية لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أو معهد الإدارة العامة. ولكن لو قارنا المخرجات التعليمية لجامعة الملك سعود من كلية إدارة الأعمال بمخرجات معهد الإدارة العامة - ليس معهدا جامعيا ــــ لوجدنا فارقا كبيرا بين قدرة خريج المعهد في الحصول على وظيفة وبين قدرة الخريج من جامعة الملك سعود في الحصول على وظيفة. بلا شك أن سوق العمل تفضل خريج معهد الإدارة لكفاءته وقدرته على القيام بالمطلوب منه على خريج جامعة الملك سعود، مع أن الأول يتخرج بشهادة دبلوم، والآخر بدرجة جامعية. ولو قارنا بين خريج جامعة الملك فهد الذي يحصل على عرضي توظيف بعد تخرجه، وبين خريج جامعة الملك سعود أو جامعة الملك عبد العزيز، فالمقارنة هنا ليست في مصلحة الأخيرين أبداً.
نحن لدينا جامعات لمحو الأمية فقط، وليست جامعات حقيقية تخرج عناصر فاعلة في السوق، فإذا كان الدارس في هذه الجامعات لا يملك المفتاح الأساسي للعلوم والعمل وهي اللغة الإنجليزية، فكيف نعول عليه أن يتخرج بكفاءة تمكنه من الحصول على وظيفة؟ وليس اللوم هنا يقع على الطالب، ولكن يقع على إدارات هذه الجامعات ووزارة التعليم العالي، وما تصريح مدير جامعة الملك سعود الدكتور العثمان بالتشديد على الجانب البحثي الواجب على هيئة التدريس، وأن الجامعة ستفصل أي أستاذ لا يقوم بعدد معين من الأبحاث سنوياً، إلا دليل على أن هناك مشكلة كبيرة تواجه هذه الجامعات، وهنا أحب أن أضيف للدكتور العثمان أن المشكلة الأساسية في الجامعات السعودية هي المناهج التعليمية، وإهمال التدريس باللغة الإنجليزية.
إن التحرك في هذا الاتجاه من أشد الأمور أهمية هنا، فكل يوم نتأخر فيه عن إصلاح النظام الجامعي سيرجعنا سنوات للوراء. ولو كانت جامعة كجامعة الملك عبد الله قد أنشأت قبل عقد أو عقدين، وبهذه الإرادة القوية، لكنا الآن لدينا الخبرات والكوادر الكافية لإنشاء عشر جامعات بالمبادئ والأسس نفسها التي قامت عليها جامعة الملك عبد الله، والوصول متأخرين خيرا من عدم الوصول كما يقول المثل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي