الوجوه اليباب

يستيقظ البريطاني، دانيال (76 عاما) الساعة السادسة صباحا يوميا. يستحم ثم يتناول فطوره مع زوجته ثم يرتدي بذلته الأنيقة. يتوجه بعد ذلك إلى كمبيوتره الشخصي؛ ليقرأ بريده الإلكتروني ويتصفح بعض الأخبار الطازجة في مواقع صحفية متفرقة. عند الساعة الثامنة تماما يخرج من شقته ميمما وجهه شطر مصعد العمارة السكنية الفاخرة، التي يقطنها في مدينة مانشستر الإنجليزية. يصل إلى المصعد وهو يحمل ابتسامة كبيرة يسكبها في وجه أول من يلتقيه في المصعد برفقة عبارة: صباح الخير. يترقب دانيال ردة فعل الطرف الآخر على تحيته، فعندما يبادله الابتسامة والتحية يقوم بالحديث عن الطقس والمطر وفريق مانشستر، وإذا لم يتفاعل معها اكتفى بابتسامته وتحيته المبكرة. يحرص دانيال على أن يودع رفيقه في المصعد بإبداء إعجابه بأي شيء يرتديه سواء كان ربطة عنق أو سترة أو عطرا أو حتى حذاء. ما يلبث أن يخرج دانيال من المصعد حتى يعود إليه من جديد بحثا عن رفيق جديد يزرع في صباحه ابتسامة تسعده وتسعد الطرف الآخر.
صارت تحية الصباح في المصعد هي وظيفة دانيال الجديدة بعد أن تقاعد من عمله، إضافة إلى دراسة الماجستير في إدارة الأعمال.
يقول دانيال في مقالة جميلة كتبها في صحيفة جامعة سالفورد في مانشستر، إن (ابتسامة المصعد) تقليد شرع في تبنيه منذ نحو عام ونصف بعد أن انبهر بردة فعل جاره عندما عبر له عن إعجابه بميدالية المفاتيح التي كان يحملها. يقول دانيال: "ظل جاري نحو خمس دقائق بعد أن هبطنا من المصعد يروي لي قصة هذه الميدالية التي صنعها له شقيقه المقيم في أستراليا. واختتم القصة بدعوة على شرب الشاي في أحد المقاهي القريبة".
أحس دانيال أنه قام بشيء عظيم للغاية، رغم أنه لم يقم سوى بابتسامة وإبداء إعجاب صغير.
كان هذا الحوار القصير بين دانيال وجاره نقطة تحول في حياته. لم يكن يتوقع أن يكون لهذا الإعجاب الصادق البسيط كل هذا الأثر والتأثير. عزز هذا الموقف رغبة دانيال في الفوز بالمزيد من الأصدقاء والسعادة.
يحاول دانيال أن يعوض سنواته اليباب التي عاشها طالبا وموظفا دون أن يحدث تغييرا. يرى أن كل شخص منا لديه قدرة كبيرة على تغيير هذا النمط الجاف في حياتنا الشائكة التي تحتاج إلى الكثير من الابتسامات ومبادرات الإعجاب الصغيرة والكبيرة.
سحرني دانيال في أن موقفا صغيرا حركه وهزه وغيّر نمط سلوكه، فضلا عن أنه تبرع بـ (خمسة أجهزة لوحية حديثة) للفائزين في مسابقة ينظمها اتحاد طلبة الجامعة لمن يقوم بمشروع مشابه.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". وقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
يحثنا ديننا الحنيف على رسم الابتسامة والبشاشة ولكننا مقتصدون في إفشائها حتى أمام أقرب الأقرباء. متقشفون في إشاعة مبادرات من هذا النوع وتشجيعها وتسويقها.
المجتمعات القادرة على إسعاد أفرادها وإلهامهم هي التي تنمو وتشرق، بينما غيرها يخبو ويغرق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي