تصريحات قاتلة

في عالم كرة القدم كل شيء جائز ومتوقع، وعلى هذا الأساس تبدأ الأندية في رسم الخطوط العريضة المترتبة على سيناريو الفوز أو الخسارة، فالانتصارات يجب ألا تكون حاجزاً يغطي سلبيات الفريق، والخسارة ينبغي أن يتم الاعتراف بها، وتناقش بهدوء للتعرف على نواحي القصور وتأثيراتها المتوقعة.
هذه المقدمة من البديهيات والمسلمات التي لا يمكن أن تغيب عن أذهان المعنيين في الأندية، لكن عندما تلوح في الأفق خصوصية جديدة لا تؤمن بهذا المبدأ المتعارف عليه، ويغيب عنها صوت العقل والمشورة وأهمية الإصغاء إلى آراء النقاد والخبراء والمهتمين بكرة القدم فإننا يجب أن ندق ناقوس الخطر، ونحذر من تبعات هذه الخصوصية المربكة لأي فريق.
في الأسابيع الماضية تجلَّت هذه الخصوصية الغريبة بشكل مباشر في ثلاثة أندية، والمشكلة الكبيرة أنها لم تعد تفرِّق بين أندية خاسرة أو رابحة، فالمهم لدى صانعي هذه الخصوصية ''الشو'' الإعلامي والتبرير واختلاق الأعذار والتصريح لمجرد التصريح حتى لو كان على حساب التأثير في اللاعبين، وتكريس ثقافات سلبية، وتكرار الأخطاء في كل موسم!
يخسر الهلال في كأس الملك، ثم يخرج من بطولة آسيا الأهم وتقوم قائمة الجماهير والنقاد والمحللين لطرح المشكلات التي يعانيها الفريق وتقديم الحلول، ثم تفاجأ بالصوت الرسمي الهلالي ينسف هذه المجالس النقدية ويتعامل معها ببرود وفق خطوات تهدف إلى تخفيف آثار الصدمة بتجاهل سلسلة الأخطاء الكبيرة، والعودة إلى الماضي السحيق الذي يعزف على أوتار ''الأنا'' التي لا تمل من تذكر ألقاب ومنجزات أصبحت من وحي الذكريات في القرن الماضي، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إنه ينساق وراء الحقنة المهدئة التي تنسج خيوط المقارنة بين الهلال وغيره من الفرق السعودية الأخرى التي غادرت كأس آسيا طيلة السنوات الماضية وفقاً للمثل المثبِّط في مواقف كهذه: ''من شاف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته''.
نموذج آخر من نماذج العزف على هذه الخصوصية الغريبة لكن في حالة الفوز يقودني إلى طرح علامات الاستفهام، فالأهلي كسب الشباب في ذهاب كأس الملك، وكان من البديهي أن يفكر رئيسه في كيفية تجنيب الفريق آثار غياب أبرز عنصرين من عناصره الأجنبية المؤثرة في مباراة الإياب، لكن تصريح ''صلبوخ'' الشهير قصم ظهر الأهلي بمواجهتين داخل الملعب وخارجه.
على نمط التصريحات الأهلاوية أيضاً أستغرب عندما يقحم رئيس الشباب ناديه في دوامة تصريحات لا مبرر لها، ولا تفهم منها إلا أسلوب التشفي ورد الكرامة وتشكيل عبء نفسي إضافي على لاعبي الشباب يؤثر في تركيزهم قبل نهائي كأس الأبطال اليوم.
أتفهم حرص رؤساء الأندية ودعمهم، لكنني لم أفهم بعد سر هذا التهافت العجيب على تكريس ثقافة التصريحات المنتهية بالفشل، وما دمنا لم نجد حلاً وسطاً بين التفهم والفهم من هؤلاء الرؤساء فعلينا أن نرضى بالواقع الكروي التعيس الذي سلم زمام التفوق في آسيا للخليجيين والآسيويين طيلة السنوات الماضية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي