أمانة الرياض «عساكم على القوة»
كلما مررت بالطرق التجارية للأحياء الجديدة في شمال الرياض، خصوصا الداخلي منها، ورأيت كم العمارات السكنية بالكامل، التي تخلى ملاكها عن بناء المحال التجارية، تذكرت قرار أمانة الرياض بتمكين من يتنازل عن بناء المحال التجارية في الشوارع التجارية من زيادة مساحة البناء دور ونصف إضافي، ورفعت أكف الدعاء لأمين الرياض السابق الأمير عبد العزيز بن عياف وفريق عمله، فلقد كانت فكرة استراتيجية ناظمة لحل كثير من المشكلات الناشئة عن كثرة المحال التجارية، ومنها نقص المعروض من الشقق السكنية، وزيادة معدلات الطلب على العمالة الوافدة وما ينشأ عن ذلك من زيادة ضغط على الخدمات وارتفاع معدلات التحويلات واختلال التركيبة السكانية وارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين، وارتفاع أسعار السلع لارتفاع تكاليف التوزيع والتالف، إضافة إلى الزحام المروري وازدياد التكاليف الأمنية.
أيضاً كلما رأيت أحياءنا نظيفة جداً من نفايات المنازل من أطعمة وعلب فارغة وأكياس وكراتين وقطع صلبة وغير ذلك، وبالمستوى نفسه من النظافة في أحياء الرياض كافة رغم كبر مساحتها وعظم تعدادها السكاني، ورأيت الشوارع مرصوفة ومشجرة ومنارة بشكل جميل ومنسق، حمدت الله على ذلك وأدركت حجم التخطيط والجهود المبذولة للوصول إلى هذا المستوى من النظافة والجمال في بيئة صحراوية قاحلة، يقطنها أكثر من 100 جنسية من ثقافات متعددة معظمها منخفضة التعليم ومن دول فقيرة.
وفي الوقت نفسه يضيق صدري بكل تأكيد عندما أرى الطرق مشوهة وكثيرة الحفر والشقوق، خصوصاً تلك التي داخل الأحياء، والحديثة منها على وجه التحديد، كما أستاء من تلك الردميات المتناثرة في تلك الأحياء بشكل مزعج للنظر وقاتل للذائقة العامة، وكذلك العمل في تطوير المساكن والعمارات دون معايير للنظافة وحماية البيئة ومراعاة مستخدم الطريق والسكان المجاورين، حيث تنتشر مخلفات البناء في الشوارع الفرعية لتتلف إطارات السيارات عالية التكلفة، وأتمنى على أمانة منطقة الرياض أن تجد حلولاً ابتكارية لكل تلك المشكلات كما عالجت مشكلة كثرة المحال التجارية والمشكلات المترتبة عليها بفكرة نظامية ذكية.
أمانة الرياض ذات وضع مختلف عن بقية الأمانات في أنحاء المملكة كافة، فهي أمانة العاصمة الكبيرة المساحة وذات التعداد السكاني الأكبر، وهي الأمانة الأكبر حجما، وأعتقد ميزانية أيضا، لذلك فإن أمانات المدن كافة تنظر لأمانة الرياض كأمانة قائدة في الأفكار وطرح الأنظمة والإجراءات، الأمانة القدوة في البرامج والمشاريع والآليات التنفيذية والنجاحات، لذلك فإن مهمة أمانة منطقة الرياض مهمة مضاعفة ومسؤولياتها كبيرة جداً، وعلى القائمين عليها والعاملين فيها أن يدركوا عظم هذه المسؤولية وحيويتها.
وفي هذه الأيام تقوم أمانة منطقة الرياض من خلال إدارة صحة البيئة، بحملة تفتيشية مكثفة على المطاعم للتأكد من نظاميتها وتطبيقها للمتطلبات الصحية لضمان سلامة عملائها، وما هو مفرح في هذه الحملة التي شملت 2200 مطعم خلال أربعة أيام وأغلقت 380 مطعما وبوفيها وكافتيريا، أنها لم تجد أطعمة مسممة، بل إن أبرز المخالفات كانت عدم ارتداء القفازات أو غطاء الرأس، والتمديدات الكهربائية غير الآمنة، واستخدام العاملين بعض الأماكن غير الصالحة للطهي أحيانا، كما كشف عنه مدير صحة البيئة في أمانة منطقة الرياض، ما يشير إلى أن الإدارة لم تكن فاعلة قبل هذه الحملة المكثفة.
ومن المفرح أيضاً أن أمانة الرياض طبقت مفهوم كل مواطن مراقب من خلال تفعيل الشكوى التنموية الرقابية كإحدى أدوات ضبط الجودة ورفعها، من خلال هاتف مركز طوارئ الأمانة (٩٤٠) الخاص بسكان المدينة، للإبلاغ عن أية مخالفة تتعلق بكل الخدمات البلدية ومنها الصحة العامة، والأمل كل الأمل معقود على المواطنين أن يقوموا بدورهم في حماية صحة البيئة أيضاً بدعمهم هذه الحملة التي ستستمر آثارها دون أدنى شك، حيث ستدفع بمستوى نظافة المطاعم إلى معايير جديدة تتحول إلى ثقافة لدى المستثمر والعاملين في المطاعم، والعملاء كذلك الذين لن يرضوا التعامل مع أي مطعم لا يلتزم بالمعايير الصحية السليمة.
من المؤسف أن البعض يرى الشوك في الورد في حين أن البعض الآخر يرى الجمال في الشوك، نعم من المؤسف أن البعض نظر من زاوية تثبيطية للأمانة وأخذ يتساءل ويشكك في سر هذه الحملة المكثفة المفاجئة للعملاء والمباغتة للمطاعم والعاملين فيها، ويضخم بعض الأخطاء الفردية هنا وهناك، وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع السلوك القويم الذي يقول بضرورة تحفيز الجهات العاملة والأفراد العاملين أيضاً بالثناء والتقدير الجميل دون نفاق أو إسفاف، ذلك أن الثناء والتقدير يمثل السحر الأبيض الذي يدفع المنجزين إلى مزيد من الإنجاز، في حين أن التشكيك والاتهام يثبط العزائم والهمم ويدفع بكل من يريد العمل والإنجاز إلى السكون والركود لكيلا يقع تحت سياط كلمات المشككين والمثبطين.
من ناحيتي أقول لكل من عمل وأنجز حتى وإن كان ذلك بعد فترة ركود أو سبات ''عساك على القوة'' ووفقك الله وأجزل لك الجزاء، ونحن نرفع لكم أكف الدعاء ونطالب بالاستمرارية في مثل هذه الحملات المكثفة والمفاجئة والمباغتة بشكل دوري غير معلن، مع الاستمرار في العمل الاعتيادي في المراقبة دون كلل أو ملل، وأتطلع إلى أن تصنع مثل هذه الحملات الجادة الصارمة ثقافة جديدة في مجتمعنا تجاه الصحة والنظافة والالتزام بالأنظمة والإجراءات، يتمثلها الجميع قولاً وعملاً وإن غابت العين الرقابية، فالأصل أن المستثمر حريص على سمعته، والعميل حريص على صحته، والبدائل متنوعة والمنافسة محتدمة وشرسة.
ختاماً أرجو من الأمانة أن تضع مؤشراً لصحة بيئة المطاعم يشتمل على معايير عدة، منها حجم المخالفات ونوعها التي يجب أن تتناقص بمرور الزمن نتيجة هذه الحملات كمؤشر على تأصل الثقافة الوقائية لدى المستثمرين والثقافة الرقابية لدى العملاء والمستهلكين، وكمؤشر على رهبة النظام وأثره في نفوس المعنيين كافة بصحة البيئة.. وعساكم على القوة دائماً.