إعلام مضلل
أخطر الآراء النقدية في عالم كرة القدم تلك التي تطلق أحكاماً متسرعة وتصدر تحليلات فنية سطحية تتغير بين عشية وضحاها، وتتلون في دقائق المباراة الواحدة وثوانيها دون أن تستند إلى رؤية عميقة تنظر إلى المستويات وطرق التدريب واستراتيجية الأندية والقضايا والأحداث الرياضية المتسارعة في الأندية وواقع كرة القدم السعودية بمنظار ما تكتنزه من خبرة رياضية واسعة، وعلى أساس "الحكم على الشيء فرع عن تصوره".
الغريب أن آثار هذا التسرع والتباين والانفصام في النقد والتحليل والرأي الرياضي لم تعد حكراً على أحد، بل أصبح يشترك فيها الناقد والمحلل ورئيس النادي والإداري وربما اللاعب، وهذا بلا شك واقع مخيف يمكن أن يقدم لنا صورة رياضية تضليلية تفتقر إلى الإلمام بأبجديات التحليل، وتغيب عنها قواعد الرؤية النقدية الدقيقة التي نستطيع من خلالها أن نتبنى الخطط والاستراتيجيات الرياضية، ولا سيما أن الاتحاد السعودي على أبواب صفحة جديدة تستلزم بالفعل الانسلاخ من تبعات الماضي السلبية التي يجب أن تقودنا حتماً إلى نقيض ذلك؛ وأعني القراءة الدقيقة للواقع، والوعي الكامل بمتطلبات مستقبل الكرة السعودية.
مستويات الاتحاد هذا الموسم أبرز نموذج يمكن أن يجسِّد واقع هؤلاء النقاد والمحللين والإداريين الانفصاميين، ففي نظرهم كانت الصورة بشأن مستقبل الاتحاد ضبابية تشاؤمية تتجه نحو مصير مجهول، وبقدرة قادر وخلال ثلاث مباريات من مباريات خروج المغلوب أصبح الاتحاد نادياً نموذجياً يملك استراتيجية متميزة، ويشجع الأندية الأخرى على أن تحذو حذوه، وتسير على طريقة تجديده وجرأته في إبعاد النجوم مهما كانت أسماؤهم، بل وصل الأمر إلى أن يصرح رئيس الفريق بأنه لم يعد ينقصهم سوى إضافة عناصر أجنبية لينافس على البطولات.
دققوا في الأمر.. الاتحاد الذي لم يرسم مستقبله في عصر أساطيره إلا بعد استراتيجية متكاملة آتت أكلها بحصد البطولات المحلية والآسيوية وبلوغ (العالمية) أصبح الآن قاب قوسين أو أدنى من المنافسة على البطولات بعناصر شابة لا يمكن لأي محلل أو ناقد أن يتنبأ بمستقبلها ما لم تكن قادرة على صناعة اسم حقيقي لها في عالم النجومية والإبداع الطويل!
إننا بحاجة إلى نقاد ومحللين ورؤساء بعيدين عن العاطفة ويملكون أصول التحليل والحس النقد، فبطولات خروج المغلوب ليست مقياساً للعودة، كما أن الفوز في "كلاسيكيو" لا يمكن أن يبرهن على وجود استراتيجية شمولية، ناهيك عن نجاحها، وإذا أردنا أن نحظى بآراء نقدية تعكس واقع الأندية وكرة القدم السعودية فيجب ألا يتحدث في هذا الشأن إلا أصحاب الخبرة والتجربة، فلكل علم رواده وأساتذته.