صناعة الصناعة
خطت المملكة خطوات كبيرة في القطاع الصناعي، خصوصا فيما يتعلق بالبتروكيماويات والصناعات المتعلقة بالقطاع النفطي، واستطاعت هذه الشركات تحقيق ميزات تنافسية من ناحية الأسعار والجودة على مستوى العالم كله، ونستطيع أن نقول إن معظم هذه الشركات في هذا القطاع هي شركات ضخمة وكبيرة ومتوسطة، وقد استطاعت هذه الشركات إيجاد أسواق ناشئة تابعة لها فيما يتعلق بخدمات الصيانة والبيع والتوريد، وكان قرار سعودة الموردين والمقاولين قرار ساعد بشكل كبير إلى تأسيس الأسواق الأخرى التي تعتمد بشكل مباشر وغير مباشر على قطاع النفط والغاز.
إلا أن تركيز الدولة على شركات النفط الكبرى وشركات البتروكيماويات أدى بشكل مقصود أو غير مقصود مباشر أو غير مباشر إلى تحجيم الإقبال على الصناعات والخدمات الأخرى والتي لا ترتبط بقطاع النفط والغاز، وهذا أدى إلى توجه الاستثمارات إلى القطاع النفطي على حساب القطاعات الأخرى. وعلى الرغم من هذا التجاهل الكبير للصناعات والخدمات التي لا ترتبط بالقطاع النفطي، نشأت في المملكة صناعات خفيفة كثيرة، كالمنتجات الاستهلاكية وقطع غيار السيارات والمشغولات الحديدية، حتى وصل حجم سوق المنتجات الورقية إلى أكثر من ثمانية مليارات ريال بحسب وزارة التجارة. ولا نبالغ إذا قلنا إن النمو في هذه القطاعات الصناعية كبير وواعد والاستثمارات في هذا القطاع لا تعتبر كبيرة.
في القطاعات الصناعية غير النفطية، كالصناعات الخفيفة على وجه الخصوص، ليس هناك استخدام لأدوات الإنتاج المعقدة أو التي تتطلب خبرة وتقدما تكنولوجيا كبيرين، فمعظم خطوط الإنتاج في هذه القطاعات تعتمد على الحركة الميكانيكية أو الهيدروليكية، أي أن تصميم خط الإنتاج لا يتطلب تقدما تكنولوجيا بقدر ما يتطلب تصميما ميكانيكيا كهربائيا جيدا. وعلى الرغم من هذا، نجد أن كل المصانع التي تصنف كصناعة خفيفة تستورد خطوط إنتاجها من الصين وكوريا والهند وأوروبا وأمريكا، نظرا لعدم وجود أي مصنع محلي أو إقليمي لخطوط الإنتاج الخفيفة، مما يربط هذه المصانع بعقود صيانة وشراء لقطع الغيار من الجهات الموردة لخطوط الإنتاج. أعتقد جازما أن المملكة تمتلك كل مقومات صناعة الصناعة، ولو الخفيف منها كبداية، أي أننا نمتلك العقول والخبرات والبنية التحتية لتأسيس مصانع تصمم وتنتج خطوط إنتاج لمصانع أخرى، وبهذا نكون قد خطونا خطوة كبيرة في مشوار توطين الصناعات الحقيقي، وليس توطين الوظائف الصناعية فقط. ما يهمنا هنا هو التركيز على هذا القطاع الصناعي غير النفطي من قبل الدولة عبر برامجها المتعددة، والبنوك، وجهات الإقراض وريادة الأعمال.