لماذا لا ينجح التخطيط
تنصح الجهات المقرضة لرواد الأعمال المتقدمين لها بعمل دراسة لجدوى مشاريعهم تعتمد على أسس علمية ومدعمة بمعلومات ميدانية عن السوق؛ لكي تتأكد من مدى متانة المشروع في مواجهة السوق والسيناريوهات المحتملة لأداء المشروع، وتأتي خطة العمل كخطوة ثانية، تبنى على أساس ما انتهت إليه دراسة الجدوى، فيبنى تصور المشروع قبل تنفيذه من جميع النواحي الفنية والمالية والإدارية، حتى تكون الصورة واضحة لصاحب الفكرة وللجهة المقرضة.
إلا أن كثيرا ممن يتجهون إلى جهات الإقراض يشتكون من قلة المعلومات السوقية في المملكة، وأن المعلومات بالكاد يُحصل عليها وبعد صعوبات بالغة، ولقد واجهت بنفسي حالات مشابهة عدة، إلا أنني وجدت أن المعلومات الأولية في متناول اليد، فموقع مصلحة الإحصاءات العامة ومؤسسة النقد، وبقية الوزارات مليئة بالمعلومات الكثيرة عن مختلف القطاعات التجارية والصناعية والخدمية، والتي يستطيع الباحث الجاد الحصول عليها وتحليلها من خلال ربطها ببعضها بعضا، صحيح أن هناك بعض القطاعات الجديدة، والتي لا توجد حتى المعلومات الأولية التي يستطيع صاحب المشروع الاتكاء عليها، إلا أن هذا لا يعني استحالة خلق هذه المعلومات عبر البحث الميداني.
الأمر الآخر، أن معظم رواد الأعمال ينظرون للخطة على أنها في الطريق الذي يجب عليهم الالتزام به حرفيا، فتجد أن صاحب المشروع يحاول أن يسقط خطته على الواقع، بدلا من أن يلائم دراسة الجدوى وخطة العمل مع الواقع. إن دور خطة العمل ليس رسم طريق سير العمل حرفيا، بقدر أن دورها هو إعطاء صورة متوقعة عما سيكون؛ لأن البيئة المحيطة بأي مشروع متغيرة، وقد لا تلائم خطة العمل، فيكون صاحب المشروع أمام خيارين، الأول تطبيق الخطة بحذافيرها دون الالتفات للبيئة المحيطة، وتكون النتيجة هي فشل المشروع، أو أن يراجع صاحب المشروع خطته ليتمكن من المواءمة بين تطلعاته ومتغيرات السوق.
جميع الأسواق بلا استثناء تتغير بشكل مستمر، فيدخل منافسون ويخرج آخرون، يخرج قطاع كامل من السوق ليحل مكانه قطاع آخر، كما هو الحال في قطاع الاتصالات وقطاع التكنولوجيا. إذًا، فعملية التخطيط هي عملية مستمرة، لا تتوقف عند الانتهاء من إعداد خطة العمل وبدء المشروع.