اقتصاديات المدن الصغيرة
لم تعد المؤسسات والشركات الفردية قادرة على الاستمرار في أسواقنا المحلية إلا ما ندر، ولكن حتى التي أفلتت من الابتلاع من هذه المؤسسات قد تكون في طريقها للزوال. ففي ظل تجاهل التشريعات والقوانين التجارية والاقتصادية لأهمية المؤسسات والشركات الصغيرة في الاقتصاد السعودي، تجتاح المملكة حمى تأسيس الشركات الكبيرة والاكتتابات المتتالية، فتوجه رؤوس الأموال لهذا الهدف، إما للربح السريع، وإما للاستثمار الطويل.
في الدول الأخرى مثل دول الاتحاد الأوروبي أو أمريكا، تحمي القوانين التجارية التجارة المحلية لكل مدينة، فلا يستطيع ''وول مارت'' مثلاً افتتاح عدد الفروع التي يريد في أي مدينة أمريكية إلا بموافقة القسم التجاري لهذه المدينة، بل دائماً ما تدخل الشركات الكبيرة في صراعات مع مجالس المدن والولايات الأمريكية عند توسعها في أي مكان، وهذا النهج وضع لحماية الاقتصاد الداخلي لكل ولاية أو مدينة، فالشركات الكبرى أو العالمية تعمل على سحب المعروض النقدي عبر فروعها المنتشرة ليصب في النهاية في المقر الرئيس لها، فتقل دورة النقد في تلك المدن بسبب ترحيل الإيرادات للمراكز الرئيسة لكل شركة، وفي الوقت ذاته تخرج الشركات والمؤسسات الصغيرة من السوق، أو تبتلع من الشركات الكبيرة، ما يؤدي إلى اهتزاز اقتصاد المدينة أو المنطقة. صحيح أن هذه الشركات توظف بعض العاملين في فروعها من كل منطقة، ولكن هذا لا يعادل ما تحوله هذه الشركات للمركز الأم. ولو عقدنا مقارنة بسيطة في جدوى التوظيف في كلا القطاعين ''الشركات المحلية والعالمية'' بين أمريكا وبين المملكة لوجدنا بوناً شاسعاً لعدة أسباب، أولا أنهم يشرعون قوانين لإحلال العمالة الوطنية بشكل معقد على الشركات الكبرى. ثانيا، هناك حد أدنى للأجور يطبق على كلا القطاعين. ثالثا، مراقبة الجهات الرسمية للأسعار بشكل مكثف. رابعا، مساعدة المؤسسات المحلية الصغيرة على الاستمرار.
إذاً نحن لا نجد أن هذه الأسباب أو العناصر تطبق في أسواقنا المحلية بالشكل المطلوب، ونحن هنا لا ننفي الدور الإيجابي للشركات الكبرى، بل نقول إن الموازنة مطلوبة بين المساحة التي تتحرك فيها الشركات الكبيرة أو العالمية وبين المؤسسات المحلية الصغيرة، فلا بد لوزارة التجارة الانتباه لهذه الملاحظة بشكل جدي للمحافظة على اقتصاديات المدن من الابتلاع الذي تمارسه الشركات الكبرى.