الهيكل الإداري الجديد يعصف بمستقبل «بي. بي. سي»
يشهد القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية أسوأ مرحلة يمر بها في تاريخ هذه المؤسسة الإعلامية العريقة، حيث هذا الوضع ظل يسيطر على المسؤولين بقلق وتوتر صعب وتحديدا في قسم التلفزيون. فاتهامات خصوم ليليان غندور مسؤولية الأقسام غير الناطقة باللغة الإنجليزية، والتي تقع الخدمة العربية (التلفزيون- الراديو- الإنترنت) ضمن نطاق مسؤوليتها، بتدهور مستوى الأداء التحريري للقسم، وتزايد حدة المشكلات داخله، دفع ''بي بي سي'' لتكليف الصحافي البريطاني ''ميرك بروزويتش'' بوضع استراتيجية جديدة للهيكل الإداري للقناة، تمهيدا لتوقف وزارة الخارجية البريطانية عن تمويل القسم العربي، على أن يعتمد القسم على أموال دافعي الضرائب ابتداء من عام 2015.
التغييرات التي أوصى بها ''تقرير ميرك''، أسفرت عن الإطاحة بأكبر مسؤولين في الخدمة العربية. فألغي منصب رئيس قسم الشرق الأدنى الذي يتولاه سليم بتكه، ومنصب المدير المشرف على القسم العربي - بريطاني من أصل عراقي - فارس خوري. عملية إلغاء المنصبين - التي يصفها بعض الصحافيين بأنها ''طرد من الخدمة بأسلوب مهذب'' - أرجعتها المؤسسة إلى أن وجود العديد من المديرين يعوق عملية انسياب القرار من قمة الهرم الإداري إلى الصحافيين، كما أن هذه المناصب تتلقى رواتب طائلة يصعب أن تتحملها المؤسسة في ظل الجهود الراهنة لتقليص الميزانية. عدد من الصحافيين الذين التقت بهم ''الاقتصادية'' أكدوا أن الأمر يعود إلى حالة الإخفاق والهزل الإعلامي الذي منيت به سمعة ''بي. بي. سي.'' عربي كمؤسسة إعلامية عريقة، كما أن الاحتكاك بين الإدارة والعاملين وصل إلى أقصى حدوده في عهد لليان غندور والثنائي سليم – فارس فللمرة الأولى في تاريخ المؤسسة يضرب أحد الأقسام لمدة ستة أيام متواصلة، وهو ما حدث في القسم العربي في آب (أغسطس) من العام قبل الماضي. أضف لذلك اتهامات الصحافيين الدائم للإدارة باتخاذ قرارات مجحفة سواء فيما يتعلق بجدول العمل أو الغياب لأسباب مرضية.
أن التغييرات الجديدة حظيت بمباركة بيتر هوروكس مدير ''بي بي سي العالمية'' الذي أشاد بالخدمة العربية قائلا إن الخدمات الثلاث (التلفزيون – الراديو – الإنترنت) تستقطب 25 مليون مشاهد في الأسبوع ، مؤكدا أن التغيير يرمي إلى ''المزيد من الفائدة على المشاهدين، ومن ضمنهم دافعو الضرائب'' لكن التغييرات ومباركة بيتر هوروكس لم تجد ترحيبا لدى قطاع واسع من الصحافيين داخل المؤسسة، وكذلك من بعض المسؤولين.
لكن الأهم من وجهة نظره كما يقول إن ''التغييرات الهيكلية الأخيرة ينطبق عليها المثل العربي تمخض الجبل فولد فأرا، ويضيف لـ ''الاقتصادية '' إخراج الثنائي سليم – فارس من الإدارة لا يعني أن الأمور في طريقها للإصلاح. فالجميع يعلم أنهما كانا منفذين لسياسة ليليان، هناك اتهامات من الصحفيين لهما بالانحياز لعناصر محددة، تفتقد القدرة والكفاءة ولكنهما يمثلان مجموعة الموالاة، تربطهم بها علاقة صداقة أو انتماءات عقائدية. هذا يخلق مناخا من عدم الأحساس بالمساواة وتكافؤ الفرص وهي إحدى القواعد الأساسية في الإدارة في ''بي بي سي''. وكان الأداء الإعلامي لـ ''بي بي سي عربي'' قد أثار شكوكا واسعة في الأوساط الإعلامية حول مستوى كفاءة بعض كبار الصحافيين في الخدمة العربية، وأساليب التعيين التي تأخذ الشكل الحيادي، لكنها تسفر عن تعيين جنسيات محددة بكفاءات منخفضة. المتتبع لشاشة تلفزيون بي بي سي يجد غيابا تاما لصحافيين أو مذيعين من منطقة الخليج العربي، أو السودان، ومحدودية العناصر من منطقة المغرب العربي. كما أن طريقة التعامل مع الأخبار تصيب المشاهد بالملل، فالأخبار مكررة دون تجديد، وفقر الإمكانات يمتزج بغياب الرؤية الإخبارية بشكل واضح للغاية، سواء فيما يقدم من أخبار أو برامج، وإذا كان المشاهد يتفهم أن تكون ''بي بي سي'' بطيئة في نقل الأخبار مقارنة بمنافسيها مثل الجزيرة أو العربية تحت شعار التأكد من صحة الخبر، فإن من أكبر العوامل التي تدفع المشاهد للابتعاد عن القناة هو أن البطء لا يرتبط بالدقة بل بالأخطاء و خاصة اللغوية.
وتقول صحافية في راديو بي. بي. سي. رافضة الإفصاح عن نفسها ''لم يحدث تغيير حقيقي ... نعم تمت الإطاحة بسليم – فارس، لكن ما حدث ليس أكثر من لعبة كراس موسيقية، فالعناصر التي أوصلت المكان إلى ما هو عليه الآن من تدهور، والتي يتهمها الصحافيون بالفشل، هي من سيتولى قيادة المرحلة المقبلة فكيف لك أن تتوقع أن تنهض ''بي بي سي''؟