نقلة نوعية منتظرة في النقل العام في جدة

إن اقرار مجلس الوزراء السعودي لمشروع نقل عام متكامل في محافظة جدة، يشتمل على شبكة للقطارات، وشبكة أخرى للحافلات، وخط للنقل البحري، وخط لعربات الكورنيش، ومحطة للنقل العام، وجسر معلق لأبحر، وذلك وفقاً للدراسات الأولية، يعد قراراً في الاتجاه الصحيح، كونه يهدف إلى القضاء على مشكلة الاختناقات المرورية، التي ظلت تعانيها معظم شوارع وطرقات المحافظة لفترة طويلة من الزمن، لا سيما حين النظر إلى أهمية المحافظة، التي تعد من بين أهم المحافظات على مستوى المملكة، بسبب أهميتها التاريخية التجارية والاقتصادية، وموقعها الجغرافي المتميز على ساحل البحر الأحمر كبوابة للأماكن المقدسة في المنطقة الغربية.
ويأتي تأكيد مجلس الوزراء على ضرورة تنفيذ المشروع خلال سبع سنوات، إدراكاً لأهمية تنفيذ المشروع في مدة زمنية قياسية، كون ذلك سيحدث نقلة نوعية وحضارية في وسائل النقل العام في جدة، التي تعاني كغيرها من بقية مدن المملكة غيابا تاما لوسائل نقل حديثة ومتطورة يتم تسييرها بوسائل تقنية ذكية، وكما هو واقع الحال في العديد من دول العالم المتقدم.
إن غياب وسائل نقل عام حديثة ومتطورة في جدة وبقية مدن المملكة الرئيسة، تسبب في انتشار المركبات الخاصة والعامة وسيرها في طرق وشوارع المدن والمحافظات بشكل عشوائي غير مدروس وغير مخطط له، ما تسبب في حدوث العديد من الاختناقات المرورية في معظم الشوارع والطرقات، وفاقم من أعداد الحوادث المروية، التي تحصد يومياً أرواح العديد من البشر، إذ تشير الإحصائيات إلى أن حوادث المرور في المملكة آخذة في الازدياد عاما بعد آخر، وأن أكثر من خُمس الحالات التي أسعفها الهلال الأحمر السعودي، تقع تحت بند حوادث المرور، وأن هناك ست إصابات لكل ثمانية حوادث في المملكة، بينما النسبة العالمية إصابة لكل ثمانية حوادث. كما تشير الإحصائيات إلى أن معدلات فاقد الناتج الوطني بسبب حوادث المرور في السعودية تصل إلى 4.7 في المائة، في حين أنها تتجاوز نسبة 1.7 في المائة في كل من أستراليا وإنجلترا وأمريكا، وبهذا وللأسف الشديد، تحتل المملكة أعلى معدلات فاقد للناتج المحلي بسبب حوادث المرور مقارنة بالعديد من دول العالم. وتكلف حوادث المرور المملكة الاقتصاد الوطني سنوياً، نحو 13 مليار سنوياً، في حين أن هناك إحصائيات أخرى تشير إلى أن تكلفة الحوادث المرورية في المملكة، تصل إلى أكثر من 21 مليار ريال سنوياً.
إن توافر شبكة نقل عام حديثة ومتطورة على مستوى المملكة، سيتحقق عنه للسعودية العديد من الفوائد والمزايا، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تسهيل حركة تنقل الأفراد داخل المدن وتقليل اعتمادهم على وسائل النقل الخاصة، الأمر الذي سيسهم بفاعلية في التخفيف من حدة الازدحام وإضفاء المرونة على الحركة المرورية وتسهيل انسيابها. كما أن وجود نظام نقل عام جيد في المملكة، سيسهم في الرفع من مستوى السلامة المروية ومن تقليل حالات وقوع الحوادث، والتقليص كذلك من حالات التلوث البيئي الناجمة عنه عما تنفثه عوادم المركبات من غازات سامة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الضارة. ومن بين الفوائد أيضاً التي ستتحقق عن وجود نظام نقل عام في المملكة، تحقيق وفورات كبيرة في استهلاك الوقود والإطارات وقطع الغيار، إضافة إلى توفير فرص عمل كبيرة ومتنوعة للمواطنين.
إن نجاح نظام نقل عام جيد في المملكة، يتطلب توافر العديد من العوامل، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الرفع من مستوى ثقافة المجتمع المرتبطة باستخدام وسائل النقل العام كبديل عن استخدام المركبات الخاصة، الأمر الذي قد يُواجه في البداية بشيء من الصعوبة، باعتبار أن السعوديين قد تعودوا لفترة طويلة من الزمن على استخدام وسائل نقل خاصة، إضافة إلى أن مستوى الرفاه الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه المملكة، قد لا يكون محفزاً كافياً لعدد كبير من أفراد المجتمع على استخدام وسائل النقل العام، لا سيما حين النظر إلى أسعار الوقود التي تعد متدنية للغاية مقارنة بأسعار الوقود في جميع دول العالم. ولكن وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الحاجة ملحة لوجود وسائل نقل عام متطورة في المملكة، كونها ستعمل على التخفيف من حركة المركبات وبالتالي من الاختناقات المرورية داخل المدن، وخصوصاً أن هناك شريحة من أفراد المجتمع الذين لا تسمح لهم ظروفهم المعيشية باقتناء سيارات خاصة لأسباب عديدة، من بينها عدم بلوغهم السن النظامية للحصول على تصاريح للقيادة، والبعض منهم يكون من كبار السن الذين لا يستطيعون قيادة السيارة، وكذلك من العمالة الوافدة في المملكة، التي تمثل بالنسبة لهم وسائل النقل العام أهمية كبرى. كما أن وجود وسائل نقل عامة، سيساعد على حل المشكلات المرتبطة بتوطين الوظائف النسائية في بلادنا، ولا سيما أن من بين أحد العوائق الرئيسة المرتبطة بتوظيف المرأة في المملكة، صعوبة المواصلات وعدم وجود وسائل نقل عام مناسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي