كريس هيوز .. الفتى اليافع الذي وضع أوباما في البيت الأبيض
أي أحد ينتظر ليشعر بارتياح حول ما حققه في حياته ليس عليه أن ينعم بالكثير منه في حضرة كريس هيوز. فها قد بقيت تسعة أشهر حتى يصير في الـ30 من عمره وصافي ثروته يبلغ على الأقل 600 مليون دولار وشارك في اثنين من أنجح المشاريع الناشئة في السنوات الأخيرة: موقع ''فيسبوك'' وحملة باراك أوباما الرقمية للرئاسة. والآن يبذل من وقته وبعض ماله محاولاً أن يعيد اختراع مجلة سياسية ليبرالية مر عليها قرن من الزمان، ''ذا نيو ريبابليك''، التي أعيد إصدارها الشهر الماضي وسط ضجة كبيرة.
''لقد كنت محظوظاً بشكل لا يصدق''، هكذا يقول هيوز في مزيج مخفف من التواضع والثقة. جلسنا سوياً على طاولة جانبية هادئة في مطعم هندي عصري يدعى ''تاماريند'' مزخرف على نحو بسيط في حي فلاتيرون بنيويورك، ليس بعيداً عن المكان الذي افتتح فيه هيوز أخيراً مكتب مانهاتن لمجلة ''ذا نيو ريبابليك''. هيوز الذي يعد زبوناً منتظماً هنا جلس على نفس الطاولة، وسرعان ما طلب مشروب ''دايت كولا''.
بقميصه المخطط ذي اللون الأزرق الغامق وسترته الرمادية المستديرة عند العنق وجاكت وسروال جينز غامق، بدا هيوز بشعره الأشقر ونظراته المفعمة بالنشاط وكأنه دعاية لنمط حياة البريبي ''المهندم''. يقول: ''أن تكون جزءا من أكبر الشركات في الأعوام العشرة الماضية، أن تكون جزءا من عالم أوباما، وأن تتاح لك الفرصة الآن لتجدد شباب هذه المجلة البالغة من العمر 100 عام، أشعر أني محظوظ بشكل لا يصدق''.
بالطبع كان هيوز محظوظاً. كان حظه أنه كأحد طلبة الأدب والتاريخ في جامعة هارفارد أصبح صديقاً لمارك زوكبيرج ورتبا سوياً لمشاركة غرفة نوم في سنتهم الثانية، نفس السنة التي بدأ فيها طالب علوم الحاسب الآلي وعلم نفس هذا في تطوير موقع شبكة اجتماعية يدعى ''فيسبوك''.
لكن من الواضح أيضاً أن هيوز عمل بجِد من أجل هذا الحظ. فحيث أنه تربى في مدينة هيكوري بولاية كارولينا الشمالية وكونه الابن الوحيد لبائع صحف وأستاذ رياضيات، قيل له إن بإمكانه أن يفعل أي شيء يريده. في سن الـ15 معتمداً على كلمة والديه تقدم بدون علمهم إلى بعض أفضل المدارس الثانوية الأمريكية، قبل أن يعلن أنه تم قبوله في ''فيليبس أكاديمي'' بأندوفر – وهي المدرسة التي التحق بها كل من الرئيسين جورج بوش الأب والابن – بمنحة دراسية كاملة. وكانت مدرسة ''فيليبس'' هي التي أدت إلى جامعة هارفارد وإلى ''فيسبوك''.
حان وقت طلب غدائنا. وقد أعلن قائلاً، ''أحب كل شيء هنا''، اختار هيوز دجاج التندوري المشوي، وطبق من القرنبيط (لم يأت قط)، في حين أنني طلبت باذنجانا حارا وعدسا. وافقنا على مشاركتهما.
وبالعودة إلى تحديه الجديد، يخبرني هيوز عن خططه بشأن ''ذا نيو ريبابليك'' التي نصب نفسه فيه كرئيس تحرير. يشرح قائلاً: ''سننتقل من الرأي السياسي، وهو ما فعلته المجلة كثيراً من الناحية التاريخية، وسنتجه إلى صحافة تقريرية وموضوعية''.
حينما أشرت إلى أن هذا النطاق قد غطته ''ذا نيويوركر'' جيداً بالفعل، قال هيوز إن هناك متسعا لمجلة أخرى في هذا المجال. بالتأكيد كانت أول طبعة بعد إعادة الإصدار في صدارتها مقابلة في المكتب البيضاوي مع رئيس هيوز القديم، أوباما، وقد تلقاها الناس على نحو حسن على أن بعض الدهشة أثيرت كون أن هيوز بدلاً من صحافي سياسي محنك أجرى المقابلة هو ومحرر المجلة فرانكلين فوير.
''ذا نيو ريبابليك'' التي أسست في عام 1914 كنشرة أسبوعية (تصدر الآن كل أسبوعين)، كانت يوماً ما العادة الطبيعية لليبراليين وكان من بين قرائها جون إف كينيدي وجيمي كارتر، وجورج أورويل وفيليب روث. لكن هيوز يقول إنه لا يريد للمجلة أن توصم مرة أخرى بأنها نشرة ليبرالية، قائلاً إنه سيركز أكثر على التحقيق الصحافي. يقول: ''سيظل لدينا نقد للفنون الجميلة، لكن إلى جانب نقد الأوبرا ستجد نقد فتيات (العرض التليفزيوني الرائج لينا دونام)''.
''ما سيظل ثابتاً هو التركيز على فئة الناس المتعلمين والمؤثرين. إنهم ليسوا أطناناً من البشر، بل بضعة ملايين – أشخاص لديهم فضول حول ما يجري في العالم''.
وبعد أن أخذته حماسة موضوعه تابع قائلاً: ''أريد أن يصبح لدينا طاقم عمل لديهم آراؤهم ولا يخفون وجهات نظرهم – هذه الفكرة القائلة إن الكاتب ليس له رأي عفا عليها الزمن – لكني لا أريد أن نكون صوتا لأي مذهب فكري معين. يجب أن تكون التغطية غير متحيزة''.
ومن غير المدهش أن هيوز مدمن على التكنولوجيا ويحمل جهاز ''الآيباد'' الصغير معه في كل مكان، بما في ذلك غداؤنا. سيشمل ترميمه لمجلة ''ذا نيو ريبابليك'' موقع وتطبيقات جديدة على الحواسب اللوحية لجعل المجلة أسهل في قراءتها على الإنترنت وعلى أجهزة ''الآيباد''، ما يخلق ''تجربة منسقة ومقسمة''. لا يسعني سوى السؤال عن كيف ينوي أن يتجنب مصير ''نيوزويك''، التي على الرغم من أنها واحدة من المجلات ذات العلامات التجارية المعروفة عالمياً في السنوات الـ80 الماضية إلا أنها توقفت أخيراً عن نشر طبعة ورقية.
يذكرني قائلاً: ''ما زال لدى مجلة نيوزويك إصدار على ''الآيباد''، ويصر على أنه اشترى ''ذا نيو ريبابليك'' كمقترح عمل.
''أعتقد أن هذا العهد من الفوائد المهمة لصناعة الإعلام في القرن الـ20 قد انتهت إلى حد كبير. لكننا قمنا بعمل الكثير من البحث السوقي وهناك شعور حقيقي أن الناس تحت وابل من الحقائق طوال اليوم، حتى أنهم أصبحوا مغمورين بها، وأنهم يريدون مصدراً أو اثنين يكون بإمكانهم الذهاب إليهم من أجل العمق والمحتوى والتحليل''.
وعلى الرغم من أنه يقول ليس لديه خطط لوقف نشر الإصدار المطبوع للمجلة، إلا أنه يرى بوضوح أن الهجرة إلى الشكل الرقمي هي أمر حتمي. يقول: ''بعد أربعة إلى خمسة أعوام من الآن أعتقد أننا سنكون في النقطة التي سيكون فيها الانتقال من المطبوع إلى الآيباد لا يبدو وكأنه موت لأي شيء؛ بل سيكون فقط تطوراً طبيعياً''. ويردف مازحاً أنه ليس من المرجح أن تصبح المجلة ''الفيسبوك المقبل''.
كان هيوز الواضح وغير المتحفظ والجذاب هو مندوب المبيعات الطبيعي لـ''فيسبوك'' في حين أن الشخص ذا سترة القلنسوة (مارك زوكبيردج) كان معنياً بالبرمجة. أطلقوا عليه ''الإيمباث''؛ وهو الدور الذي جعل 1 في المائة من أسهم الشركة من نصيبه. لكن بعدها في عام 2007، في الوقت الذي كان الموقع يشتهر فيه حقاً بقوة، ترك هيوز ''فيسبوك'' للعمل مع أمل رئاسي غير معروف نسبياً، فأصبح مدير عمليات وسائل الإعلام الجديدة لأوباما في الانتخابات الأولية بالحزب الديمقراطي والحملات الرئاسية.
تناول المهمة كما كان خريج الجامعة الذي عمل في ''فيسبوك'': بإنشاء مجتمع على الإنترنت جعل الناس يشعرون أنهم مرتبطون مع بعضهم. أصبح موقع ''ماي باراك أوباما دوت كوم'' الموقع المنشود للأنصار المنَظمين في أنحاء البلد، ما ساعدهم على الطواف في المدينة وإرسال بريد إلكتروني للمصوتين وجمع ما يزيد عن 30 مليون دولار للحملة.
أياً كان فليس كل ما يلمسه هيوز يتحول ذهباً. بعد حملة أوباما بدأ موقع شبكة اجتماعية للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية يدعى ''جامو''. إلا أن المشروع تعثر وتم استيعابه في الموقع الإعلامي التقدمي ''جود'' خلال عام.
ثم قبل نحو عامٍ مضى انتقل هيوز إلى ''ذا نيو ريبابليك'' واستحوذ على أغلبية الأسهم بنسبة لم يفصح عنها. ومثل كل المجلات الأخرى كانت المجلة تستنزف قراءً ومالكين ومحررين ومالاً. هبطت انتشارها إلى 34 ألف من ذروة مبيعات بلغت 100 ألف منذ عقدين مضيا.
في عصر قد يبدو فيه أن العمل الصحفي يتم إجراؤه على نحو متزايد في 140 حرفا (الحد الأقصى لكتابة تغريدة على موقع ''تويتر'')، بدا أن هذه خطوة معاكسة للاتجاه الثقافي: كان هنا حس إعلامي جديد ينتقل إلى مجلة تقليدية ملتزمة بنشر مقالات من عشرة آلاف كلمة على ورقة وتسلم للقراء عبر البريد.
وفي حين أنه أقر أن زوكبيرج يعتقد ''تماماً'' أنه من الغريب أنه ينتقل إلى الإعلام القديم، يقول هيوز إن الأشخاص الذين في سنه في عهد ''تويتر'' ما زالوا قراءً. يقول: ''وجد تقريرا لمركز ''بيو'' البحثي أخيراً أن الأشخاص تحت سن الـ30 يقرؤون كتباً أكثر عما كانوا يفعلون منذ عشرة أعوام – ليس أكثر كثيراً، لكن أكثر – ومن المرجح أنهم قرؤوها على هواتفهم كما قرؤوها مطبوعة. إنه أمر جنوني''.
وحري به أن يعرف. يقر بأنه قرأ فصولاً كاملة لكتاب الحرب والسلام على جهاز ''آيفون'' الخاص به، مع أنه يقرأ أيضاً أجزاءً على الورق بالطريقة القديمة. (خلال فترة أعياد الميلاد قال لي إنه قرأ رواية الأبناء والعشاق للكاتب دي إتش لورينس، ويقرأ الآن مجموعة القصص القصيرة الجديدة لجورج سوندرز على جهاز ''الآيباد'' الخاص به).
كان توزيع ''ذا نيو ريبابليك'' متزايداً، ويبلغ الآن 44 ألف، لكن لم يسر الأمر بسهولة على الإطلاق. طرد رئيس تحرير المجلة ريتشارد جاست، الذي صادف أنه الشخص الذي استمال هيوز للاستحواذ على النشر. تمت الإفادة بأنه اعتقد أنه يحصل على مستثمر، لكن اتضح أن هيوز أكثر تحكماً في الأمور، وقد تشابك الاثنان حول الكيفية التي يجب أن تدار بها المجلة. وقد دخل هيوز أيضاً في فورة تعيين، حيث أعاد مرة أخرى فوير كمحرر وعين الروائي والتر كيرن. وعلى أي حال، يقال إنه حاول وفشل في إغراء كتاب كبار مثل ريان ليزا وديكتر فيلكينز من ''ذا نيو يوركر''.
وبينما يأكل هيوز دجاجته بلطف سألته إذا ما كان وجد من الغريب أن يقابل الرئيس ليس كمؤيد ولكن كصحفي. (هيوز ورفيقه سين إيلدبيرج المستثمر والناشط السياسي حضرا أيضاً حفلة تنصيب أوباما الشهر الماضي وقد نشر الأخير صوراً لهم على موقع ''تويتر'' في حُلل متماثلة). ضحك قائلاً: ''مضى أربعة إلى خمسة أعوام منذ أن عملت معه وقد تغير الكثير. لقد تأقلمت سريعاً جداً مع هذا الدور المتمثل في كوني في الصحافة ومن الخارج''.
''ليس سراً أني قد دعمته أو العديد من المرشحين والقضايا الأخرى لكننا سألنا أسئلة جيدة وصعبة لجعله يوضح كيف تغير وكيف تغيرت البلد في الأربعة أعوام الماضية وما جدول أعماله للأربعة أعوام المقبلة؟''.
حتى في تجسيده لدور الصحفي يظل هيوز دبلوماسياً في الإجابة عن كيف يشعر إزاء الرئيس اليوم. ففي حين أنه يشيد ''بجدول أعماله الطموح بشكل غير معقول'' الذي وضعه أوباما في خطاب تنصيبه الثاني، وهو الخطاب الذي هدأ الليبراليين، يقول إنه من ''الممتع'' فقط أنه وضع مثل هذه التوقعات العالية لفترته الثانية.
اقترحت أن هذا قد يكون سبباً كافياً لخيبة أمل الليبراليين مع أوباما خلال الأربعة أعوام الماضية – توقعات عالية إلى درجة يستحيل عليه أن يعيش لتحقيقها – وقد أومأ هيوز برأسه موافقاً، في حين أنه أعطى الانطباع أيضاً بأنه لا يتفق تماماً.
أنا منهمك في تناول العدس والبازلاء وخبز النان الذي طلبه لنا لمشاركته لكن هيوز تناول القليل بالكاد من طعامه. يقسم هو وإيبدردج وقتهما بين العيش في دور علوي كبير في حي سوهو بمانهاتن وعقار ريفي من 80 فدانا في وادي هدسون. وقد صاغ الاثنان سوياً لنفسهما اسماً كجامعي التبرعات للحزب الديمقراطي المؤثرين في المشهد السياسي بنيويورك.
إيلدريدج الذي يبدو في سن الـ26 أفضل هيئة من هيوز، كان يشجع بنشاط مشروع قانون إصلاح المالية. كما أنه يدير شركة رأس مال استثماري في وادي هدسون.
''أنه يحب هذا الأمر'' هذا ما قاله هيوز الذي أصبح مفعماً أكثر بالحيوية. ''العمل الذي قام به في السياسة العامة – لديه الكثير من التأثير مما كنت لآمله (أن أفعله بنفسي) بشأن الدعاية للإصلاح المالي''. هذا الأسبوع، ملأ إيلدريج أيضاً ورقة العمل للترشح إلى الكونجرس الأمريكي في انتخابات العام المقبل، ممثلاً للمقاطعة التي يقع فيها منزلهم الريفي.
تعارف الاثنان على بعضهما في وجبة فطور وغداء عن طريق صديق لإلدريدج بميدان هارفارد في جامعة كامبريدج في أواخر عام 2005. ويعيشان سويا في ولايتهم بوادي هدسون العام الماضي؛ ومن بين أصدقائهما أسماء كبيرة من الديمقراطيين أمثال نانسي بيلوسي وشوك شومر إضافة إلى زوكبيرج وسين باركر المستثمر في ''فيسبوك''.
العام الماضي قاما بجمع التبرعات في الدور العلوي الخاص بهم في حي سوهو من أجل حاكم نيويورك أندرو كومو والسيناتور كريستين جيليبراند.
يخطط هيوز للاستمرار في جمع التبرعات للإصلاح المالي – نافياً تلميحي إلى أنه من السخرية نوعاً ما القتال من أجل جمع مال للسياسة في الوقت الذي يقيم فيه حفلات فاخرة من أجل مرشحين وقضايا يدعمها.
''رؤية دور المال في السياسة جعلتنا جميعاً أكثر تعاطفاً لتقليل دورها''، هذا ما قاله منحياً جانباً أي تلميح بالنفاق، مضيفاً أنه مقابل كل دولار يدفعه الاثنان للمرشحين، فإنهم يعطون دولاراً لعمل حملة من أجل قضايا الإصلاح المالي. ''حالياً، النظام كما هو. إذا ما أردت أن تربح في الانتخابات، فما يصنع الفارق هو الإعلانات التلفزيونية والبريد المباشر''.
ثم يتحدث في الموضوع عن قرب قائلاً: ''أعتقد تماماً في هذا الأمر لكنني عازم بنسبة 100 في المائة على أمر ''ذا نيو ربابليك'', سين إلدريج هو من يهتم حقاً بهذا الأمر؛ أستمع لهذا الأمر فقط على العشاء ليلاً''. وحينما شارف غداؤنا على الانتهاء ودقت الساعة منبئة بموعد هيوز التالي، قلت له إنه من المؤكد أنه ينزعج أن الناس يقولون له إنه يبدو في الـ12 من عمره. فيضحك قائلاً: ''هذا ما يقال لي دوماً، حينما كنت أصغر كنت أغضب أكثر من هذا الأمر، مثلما تكون في الـ21 من عمرك وتحصل على بطاقة هوية. لكن الآن كوني أصبحت في الـ29 انتقلت إلى مرحلة ''أشكرك بشدة''.
لذا سألت بعد عقد مثل هذا ما الذي تحمله فترة الثلاثينات من عمره؟ ''العمل الذي أقوم به في مجلة ذا نيو ريبابليك الآن يشعرني بشتى الطرق وكأني في بيتي. أنه يستحوذ على كل اهتماماتي – اهتماماتي السياسية، اهتماماتي التقنية، عاطفتي الصحفية. أنه أمر مثير للتحدي وهذا هو سبب سهولة تخيل أنه بعد خمسة إلى عشرة أعوام من الآن، ستكون هناك تكنولوجيا وطرق جديدة للقراءة''.