«آرون شوارتز» كان يعاني الأوهام حول الأبحاث

«آرون شوارتز» كان يعاني  الأوهام حول الأبحاث

أدّى موت ناشط الإنترنت آرون شوارتز في عمر 26، إلى إثارة الإشادة بإبداعاته ونكرانه لذاته. إن شوارتز الذي واجه عقوبة السجن بتهمة التحميل غير القانوني لملايين من الأبحاث الأكاديمية من مكتبة إلكترونية، قام بالانتحار الأسبوع الماضي.
قبل خمس سنوات وقع شوارتز ''وصول مفتوح لبيان عن حرب العصابات'' والذي شكا فيه من ترقيم وحظر ''الإرث الثقافي والعلمي الكامل للبشرية'' من قبل بعض الشركات الخاصة، مثل ''إلسفير''. وقد نصح مخترقي الكمبيوتر لأخذ المعلومات حيثما تم تخزينها، وأن يصنعوا منها نسخاً ويشاركوها مع العالم''.
في عام 2010 قام بإخفاء هويته واستغل الشبكة الإلكترونية لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتحميل معظم قاعدة البيانات الخاصة بمجموعة جستور، مجموعة غير هادفة للربح تقوم بتشفير المقالات والمجلات الأكاديمية. لم يقم بمشاركة أو بيع المادة - قام بعد ذلك بإرجاعها - ولكن النيابة أخذت البيان على محمل الجد وقامت باتهامه بالنصب.
عمل السيد شوارتز على مشاريع من مجمع الأخبار ''ريدت'' لترخيص حقوق النشر لـ''كريتف كومونز''، وحاز على الإعجاب بشكل كبير. ولكن في تحليلاته للبحوث الأكاديمية ونشرها، عانى من الوهم.
حرية الوصول إلى البحوث الأكاديمية - النظام الذي دافع عنه السيد شوارتز - يمكن أن يأتي بمنافع عامة، سوف يمكّن أي شخص من القراءة والتحليل والبناء على الأبحاث الممولة من القطاع الخاص والعام. ومع ذلك، سيكون على الفرد أن يدفع لقاءها، وسترتفع تكاليف الجامعات، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة أكسفورد، ولن تنخفض.
إن نقّاد النظام الحالي، والذي بموجبه تدفع مكتبات الأبحاث ما يصل إلى 50 ألف دولار سنوياً لاستخدام قاعدة المعلومات الإلكترونية، يميلون إلى إلقاء اللوم على الاستغلال الذي تقوم به شركات التربح مثل ''رييد إلسفير'' و''سبرينجر''، بسبب هذه التكاليف. وصف جورج مونوبيت، الناشط والكاتب في صحيفة ''جارديان''، الأمر بأنه ''رأسمالية ريعية محضة''، مجادلاً بأن الناس يجب عليها التخلص من هذه الأسياد الطفيلية وتحرير الأبحاث التي تخصنا جميعا.
وما يؤيد هذا هو الاعتقاد بأن تكاليف النشر قد انخفضت بشكل كبير في أثناء التحول من الطباعة إلى الرقمية. حققت شركة إلسفير، فرع شركة رييد إلسفير للمنشورات العلمية، أرباحا بقيمة 352 مليون استرليني بعائدات 978 مليون استرليني في النصف الأول من عام 2012، وبهامش تشغيل 36 في المائة. تخلص من الرأسماليين وقم بتوزيع البحوث في المرافق العامة، وبالتأكيد مساحة من الربح ستختفي؟
حسناً ربما. يمكن لشركة إلسفير أن تفعل ذلك بمزيد من المنافسة. إن رسوم هيكلها غير شفافة وتقوم بنشر المجلات التي يتنافس الأكاديميون على نشرها. لديها ما يسميه وارن بافت الخندق أنها أعمال تجارية عمرها 130 عام، وتشغل 20 في المائة من السوق، ولذلك صعب مهاجمتها.
ومع ذلك هي لم تسرق هذا التقدم. فقد قامت باكتسابه منذ عام 1960 إلى 1970 حيث وفرت جامعات البحوث المال عن طريق التعاقد الخارجي على ضغوط وتكاليف النشر الجانبية. تقوم شركة إلسفير بتوظيف سبعة آلاف محرر، يقومون بإدارة شبكة إلكترونية من500 ألف من نظراء الاستعراض (ومنهم من لا يدفع)، وتقوم بنشر300 ألف مقال جديد كل عام، وتدير قاعدة بيانات بسعة 100 تيرابيت. إن الطباعة هي فقط جزء صغير من تكاليف النشر الأكاديمي. الجزء الأكبر يقع في الأعمال التي تحتاج عمالة مكثفة من تحرير ومراجعة الطلبات (والتي ترفض ثلثيهم) وإدارة البيانات. هذه التكاليف تشبه تكاليف شركات النشر المفتوحة الوصول، مثل المكتبة العامة للعلوم في سان فرانسيسكو، والتي تعدّ منافساً لشركة إلسفير.
وجدت دراسة مستقلة من قبل شبكة المعلومات البحثية في المملكة المتحدة أن التحول من الطباعة إلى الرقمية ربما يوفر مليار جنيه استرليني عالمياً تستحق 12 في المائة فقط من التكاليف الإجمالية. التخلص من الشركات الخاصة من المعادلة ربما يسمح بالمزيد من المدخرات، ولكن ربما أيضا يقلل من الكفاءة.
على أية حال، لا يزال هناك فاتورة ضخمة. 90 في المائة من الصناعة قائمة على الاشتراك، النموذج الذي كان يكرهه شوارتز كثيرا. الـ 10 في المائة الأخرى متاحة الوصول الآن، والتي بموجبها يقوم الباحثون (أو مؤسسات البحث) بالدفع للمجلات مبالغ تراوح بين ألف وخمسة آلاف دولار للمقال لتغطية تكاليف النشر، وحينها يستطيع أي شخص أن يقرأها مجاناً.
إمكانية الوصول المفتوح جذابة ويتم دعمها من قبل صناديق البحوث، مثل: المعهد العالمي الأمريكي للصحة، ومؤسسة ويلكوم ترست البريطانية، ومن قبل الحكومة البريطانية. تعتقد مؤسسة ترست أنه من غير المنطقي استثمار 700 مليون استرليني كل عام في البحوث دون دفع مبلغ إضافي بقيمة عشرة ملايين استرليني لتجعلها متاحة عالمياً. يتم قراءة البحوث على نطاق أوسع من قبل الأكاديميين الآخرين الآن، والذين يصل معظمهم إلى المكتبات. ولكن ربما يكون هناك منافع كبرى من توسيع نطاق الوصول. تعدّ صحيفة ''بلوس ون'' العلمية كنزاً يحوي المواد المذهلة.
ويقال إن الوصول المفتوح يقوم بتحويل الفواتير. قامت شبكة المعلومات البحثية بتقديراتها أنه إذا تحركت السوق نحو 90 في المائة من الوصول المفتوح، ستنخفض التكاليف الإجمالية بنسبة 650 مليون استرليني، ولكن الجامعات ستدفع أكثر. ستوفر المملكة المتحدة 128 مليون جنيه استرليني في اشتراك المكتبات، ولكنها ستساهم بنحو 213 مليون استرليني في الرسوم لأن جامعاتها تنشر الكثير من الأبحاث.
الوصول المفتوح لديه أيضا مخاطره. في السبعينيات تحولت صناعة التصنيف الائتماني من اشتراك المساهمين إلى التصنيفات إلى تحميل مُصدري السندات دفع الأموال. قام ذلك بتأسيس الوصول المفتوح، ولكنه أيضا أعطى حافزاً للوكالات لإرضاء مُصدري السندات بتصنيفات جيدة، وبلغت ذروتها في التصنيف آي الثلاثي للسندات القائم على الرهون العقارية الواهية.
مجلات الوصول المفتوح لديها نفس الحافز لتوسيع الوصول وتخفيف الجودة. من الجدير بالذكر أن ''بلوس ون'' تنشر 24 ألفاً من البحوث كل عام، وتقوم بقبول أي طلب يلبي عقبة ''العلم الصالح''، فيما المجلات الأكثر رقياً (متضمنين فروع بلوس الأخرى) تنشر مائتي بحث.
إن الوفاة المؤسفة لشوارتز رجحت كفة الميزان ناحية الوصول المفتوح، وسيكون ذلك إرثاً قيماً. ولكن سيكون هناك دائما من يدفع الثمن.

الأكثر قراءة