المسكن الحلم.. يسروا ولا تعسروا
متطلبات الأسر السعودية اليوم تختلف كليا عن احتياجاتها ومتطلباتها السابقة، بل إن نظرة أفراد الأسرة نفسها وتطلعهم نحو المستقبل تختلف جذريا عن نظرة الآباء والأجداد، وأحسب أن التغير الذي يسير اليوم وسط الذهنية الإنسانية بصفة عامة لا يتناول فردا دون سواه أو أسرة أو مجتمع دون غيره من المجتمعات بل إنها عملية شاملة ومنتظمة في تواصل حركتها. يمكن مشاهدة ملامح واضحة من عمليات التغير التي حدثت في المجتمعات بالنظرة إلى الاهتمامات لدى الأفراد، واختلافها الجذري عن الاهتمامات لدى الأجيال السابقة، ومثل هذا التغير طبيعي ولا يثير أي استغراب، بل إن تصميم خطط التنمية وبناء الاستراتيجيات المستقبلية لابد أن يكون فيها استقراء لمثل هذه التحولات سواء في اهتمامات الناس أو في توجهاتهم المستقبلية، وأجزم أن المشرع الذي يبني أفكاره وخططه خاصة البعيدة المدى على مثل هذا النهج هو الأكثر نجاحا وتميزا، وستجد مشاريعه الصدى الكبير فضلا عن ملامستها لحاجات الناس. سأضرب مثالا لتقريب الصورة بأولوية لدى المجتمع السعودي الآن، هذه الأولوية لم تكن موجودة في السابق فاليوم معظم الأفراد في المجتمع السعودي يتطلعون لتملك مسكن، وهم لتحقيق هذه الغاية في سعي نحو تملك الأرض التي ارتفعت أسعارها تباعا ولم تعد في متناول يد الجميع، فتوجه الكثيرون نحو الاقتراض من البنوك التي تضع فوائد غير قليلة على مثل هذه القروض، هذه الحاجة إلى السكن لم تكن أولوية فيما مضى لدى الأجداد خاصة إن كانت حاجة موجودة إلا أنها لم تكن أولوية ولها كل هذا الاندفاع والأعداد من الناس. مع تغير الحياة الحديثة والهجرات من القرى والهجر نحو المدينة، ترك الآباء أراضيهم الزراعية وبيوتهم نحو المدينة فقاموا باستئجار منازل للسكن في المدينة وأنجبوا الأولاد والبنات، الذين أيضا استقروا في المدينة بحكم أنها الحاضرة التي لا يعرفون سواها، وكان من متطلبات الاستقرار السكن ليأتي الجيل الثالث وبأعداد أكبر يطلب الأراضي السكنية لبناء منزل العمر عليها.. فتصاعدت أرقام المنتظرين لقروض الصندوق العقاري فضلا عن أن أعدادا هائلة اقترضت من البنوك المختلفة. طوال هذه السنوات لم يحدث تطوير أو وضع أنظمة جديدة تتعلق بتملك الأراضي والبناء لتتواكب مع متطلبات العصر وتزايد أعداد الناس وحاجتهم إلى السكن، لقد كانت أنظمة البناء خاصة من شروط فسح وترخيص إقامة مسكن العمر للمواطن هي دون تبديل أو تغيير، مع أن حاجات الناس تغيرت واهتماماتهم تبدلت، فالذي كان يضع غرف ستة في خمسة اليوم يوجد من يرضى بثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف فأملهم أن يكون منزلا ملكا، ومن كان في الماضي يقوم بالبناء على أرض تتجاوز التسع مائة متر والمنزل لا يقل عن خمس مائة متر، اليوم يوجد من يتمنى أرضا لا تتجاوز 200 متر، وليته يجدها رخيصة وفي متناول اليد. تبعا لهذا التحول والتغير في أولويات الناس وعاداتهم، تجد أن الأنظمة لم تتغير وتواكب هذه الحاجات. على سبيل المثال شخص مساحة أرضه التي قام بشرائها لا تتجاوز 270 مترا وهي على شارع واحد، فتجد من الشروط أن يكون هناك ارتداد مترين على الثلاث جهات أما الواجهة فثلاثة أمتار.. إذن كم بقي لهذا المواطن بعد خصم أمتار الارتدادات ليقوم ببناء منزله على هذه الأرض؟ الذي أريد أن أصل له أن أنظمة البناء لم تواكب حاجة الناس ولم تتغير مع تغير الاهتمامات، أمانة الرياض مشكورة قبل فترة من الزمن قامت بإصدار نظام رخصة اليوم الواحد وهي تستهدف إنهاء رخص البناء بشكل سريع وموجز، وهذه خطوة جديرة بالإشادة، ولها مردود كبير، إلا أن الأنظمة كالتدخل حتى في المخطط وفي توزيع المسكن داخل المنزل، حيث توجد شروط تحدد أين يوضع السلم وكم مساحته، بل التدخل حتى في مساحة الغرف ودورات المياه والمطبخ، وغيرها، مع أن هذه من أبسط حقوق المواطن وهو تصميم فلته ومسكنه وفق متطلباته وحاجته وأطفاله، فمواطن يريد مسطح البناء في حدود 160 مترا يأتي مراقب البلدية ويقول له: الله لا يضيق علينا عندك مساحة.. كبر المطبخ وكبر الغرف وكبر دورات المياه، فيرد عليه المواطن، بأن التوسع يعني خسارة مادية، فيرد الموظف كم يعني بتزيد عشرين ألفا، ثلاثين ألفا عادي يا أخي المهم أن يكون المنزل بيئة صحية وسليمة للسكن، تحاول أن تقنعه بأن هناك مساحات لدخول الضوء وأن كل غرفة مخصصة لنوم شخص واحد، فيرفض ويصر على عمل تعديلات في المخطط الإنشائي. هذا التدخل غير مبرر والتشدد مع الناس غير إنساني. قللوا مساحات الارتدادات، ووفروا على الناس اللجوء للخداع لأنهم يعودون يواصلون بناء غرف ودورات مياه في الارتدادات بعد تسلم شهادة إتمام البناء ومسؤولو أمانة الرياض يعرفون هذا تماما. المطلوب نظرة جديدة وبعقلية حديثة على مثل هذه الشروط، نظرة تتواكب مع تطور العصر وتبدل الأحوال وتخفف على الناس العناء والتعب وتكبد الخسائر المالية. وبالإمكان الاستفادة من كليات الهندسة وتشجيع الطلاب على إنتاج مبان اقتصادية أو طرح بدائل كالعودة إلى العمارة القديمة التي تركز على الفناء الداخلي أو مساحة البيت التي في المنتصف، أو ما يسمى ببطن الحوي.