الإنفاق الحكومي السخي ضرورة رغم ما يشوبه من تحديات
أكد اقتصاديان أن مواصلة الحكومة السعودية إنفاقها التوسعي السخي على المشاريع التنموية في البلاد أمر أساسي لاستكمال البنية التحتية وتنفيذ مشاريع خدمية ضرورية رغم ما قد يشوب ذلك من تحديات.
وحذر صندوق النقد الدولي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي دول الخليج من الاستمرار في موجة الإنفاق الحكومي الهائلة، مطالباً البدء بالتخطيط لخفض هذا النمو لدعم استقرار ميزانياتها، وإلا فإن أي طارئ اقتصادي عالمي قد يحوّل الفوائض إلى عجز في الموازنة العامة تبدأ ملامحها من 2014م، وقد يتحقق بصورة "أعنف" بحلول 2017م.
وأوضح الاقتصاديان في حديثهما لـ"الاقتصادية" أنه رغم التحديات، فإن الموازنة السعودية التي صدرت أمس الأول كانت متحفظة جداً بحيث لن تواجه مشكلات في حال تراجع أسعار النفط، ومع ذلك تكفي الاحتياطات لتغطية أي عجز في الإنفاق للسنوات الثلاث المقبلة دون عجز أو اللجوء للاقتراض.
#2#
#3#
وقالا إن أبرز التحديات التي ستواجه المملكة خلال الفترة المقبلة يتمثل في تنفيذ المشاريع في وقتها، إلى جانب التعامل مع الضغوط التضخمية التي قد تنشأ من جراء الإنفاق الحكومي.
وأشار الدكتور إحسان بوحليقة الخبير الاقتصادي المعروف، إلى أن تنفيذ المشاريع أصبح يمثل تحديا كبيرا، وقال: "تعثر المشاريع أصبح ظاهرة ويجب الالتفات إليها ومعالجتها، وعندما نلاحظ مخصصاتها للسنوات العشر الماضية نجدها تجاوزت 1.7 تريليون ريال، التحدي الآخر أن في حال انخفاض سعر النفط - وهذا الأمر تشترك فيه دول مجلس التعاون الخليجي- كيف تستطيع هذه الدول الإيفاء بمخصصات المشاريع؟ لكننا نجد أن هناك هامشا واسعا بين متوسط سعر النفط للعام الماضي والإنفاق والدليل الفائض".
وأضاف: "الأمر الآخر، أن الميزانية التي صدرت متحفظة جداً وحتى في حالة تراجع أسعار النفط لن يكون هناك أي مشكلات - ليس متصوراً أن تتراجع الأسعار لما دون 90 دولارا للبرميل.
ولفت أبو حليقة إلى أن المشاريع التنموية ضرورية، ويعود ذلك إلى أن أمام المملكة تحديا للارتقاء بالخدمات الاجتماعية سواء في التعليم أو الصحة أو تطوير مواردها البشرية، وبذل مزيد من الجهد لتنويع اقتصادها وهذا التنويع لن يتحقق إلا من خلال قوة عمل قادرة وتنمية واعية بالموارد البشرية.
وتابع: "كذلك تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى. نعم قد يشوب ذلك تحديات لكن يجب التعامل مع هذه التحديات وأقرب مثال على هذا تخصيص جزء من الاحتياطي لمشاريع النقل بين المدن، لأن هذه المشاريع غير موجودة أصلا، لذلك كان يتوجب توفير مشاريع للنقل العام على الأقل بين المدن الرئيسية السعودية".
وشدد على أن الإنفاق ضروري والتحدي الكبير هو تنفيذ المشاريع في وقتها، ولا بد من إيجاد حل لهذه الإشكالية، وقال: "ربما الشفافية مطلوبة، كأن يصدر تقرير من المالية يبين وضع المشاريع المختلفة وإن كان هناك إنجاز قد تأخر أو تعثر فلابد من التعرف على هذه الظاهرة إجمالا وهو أمر يهم الجميع لأننا نتحدث عن مرافق عامة".
واقترح بوحليقة أن يكون هناك هيئة لإدارة المشاريع خارج الوزارات، والسبب أن ديوان المراقبة العامة يعد رقابة لاحقة على حد قوله، وأضاف: "يجب أن يكون لدينا فرقة عمل لمتابعة حسن تنفيذ المشاريع الإنمائية، ويمكن أن يكون مكتبا تابعا لمجلس الوزراء عبر خبراء من المواطنين أو حتى من الخارج، لأن هذه المشاريع هي ما تعول عليها المملكة في تحول وتحقيق قفزة على جميع المستويات، وعلينا الالتفات إلى المبلغ الهائل المرصود للمشاريع ففي 2013م 285 مليارا، والعام الماضي 265 مليارا، وفي 2011م 256 مليارا وهي أرقام ضخمة لم تكن موجودة من قبل".
من جانبه، يرى الدكتور علي التواتي أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز أن التوسع في الإنفاق ليس بالمفهوم الموجود في الدول الصناعية، وقال "التوسع في المملكة والدول التي لم تكتمل بنيتها الأساسية أو ما تسمى بالدول النامية يعد إجباريا، لأنه لا يمكن أن تصمت عن عدم وجود الخدمات الضرورية للمواطنين من مستشفيات ومدارس وطرق وغيرها من البنية التحتية المطلوبة ـ التي تعرضت لإهمال على مدى السنوات الـ20 الماضية".
وتابع: "نتيجة لعدة ظروف من أهمها حرب تحرير الكويت التي حملتنا ديونا كبيرة جعلتنا على شفا الهاوية حيث تخطت تريليون ريال، أو بعبارة أخرى تساوي إيرادات الدولة لعام 2012م لمرة ونصف، عملية استكمال البنية الأساسية والإنفاق أمراً ضرورياً ولا يعتبر ذلك إنفاقا توسعيا".
واستطرد: "ربما نجد آثارا تضخمية حاليا لكنها تتضاءل عاما بعد عام نتيجة لاكتمال المشاريع وتخفيف الإنفاق، ثم لا ننسى أن هذا رأسمال اجتماعي ووطني ستبدأ آثاره مستقبلاً ولن نجد صهاريج نقل المياه أو الصرف في الشوارع واختناقات مرورية وغيرها، أثر ذلك المتوقع سيظهر على المدى المتوسط والطويل، وللعلم فإن شبكة الطرق التي بنيت أثناء الحرب توفر على ألمانيا حاليا 40 مليار مارك سنويا".
وأكد التواتي أنه عند الاستثمار في البنية الأساسية يجب أن تراعي الدولة عدم دخولها في منافسة مع المواطنين على المواد الموجودة في السوق، بحيث لا تنافس على الحديد أو الأسمنت أو الإسكان، لافتاً إلى أن جميع القطاعات التسعة التي تقيسها وزارة التخطيط والاقتصاد ارتفعت وشهدت ضغوطا تضخمية بسبب الإنفاق الحكومي، ولذلك يتوجب على الدولة التنبه لهذه النقطة ولا يمنع من استيراد المواد التي قد تكفي في السوق المحلية لعدم تأثيرها على المواطنين.
وذكر أستاذ الاقتصاد أن المملكة بلد مستورد لأغلبية المواد الاستهلاكية، مبدياً عدم رضاه عن توجيه الإعانات للمستوردين مباشرة، لأن ذلك يسبب فقدا كبيرا في تخصيص الموارد الوطنية بحسب قوله، وقال: "بحسب دراستي يجب أن تكون الإعانات مباشرة للمستهلك عبر إعطاء المواطن تأمينا طبيا -مثلا- بدلا من مساعدة المستشفى على علاجه، أو كوبونات غذائية وليس تسليم إعانة للمستورد، كذلك مشاريع الإسكان الذي أصبح يمثل مشكلة مرعبة لا بد من التعجيل بالتنفيذ، حتى الآن ثلاث سنوات منذ إعلان خادم الحرمين الشريفين ولم نر بيتا واحدا بنته وزارة الإسكان، متى سيسلمون الناس المنازل. نحتاج قبل 2015م إلى أكثر من 1.500 مليون وحدة سكنية حسب أكثر الدراسات دقة في العالم".