عائلة.. الواتس أب!

ليس أمراً غريباً أن تُفاجأ بشخص ما وهو يضحك بصوت مرتفع في مكان عام بعد أن قرأ رسالة واتس أب على جوّاله أو مقطعاً ما، وليس أمراً غريباً أن ترى "شلة" أصدقاء في متنزه ما وكل واحد منهم ممسك بجوّاله ويتحدث بالواتس أب حتى إنك ستتساءل: "ليش مكلفين على أنفسهم" وخارجين في نزهة ما دام كل واحد منهم يعيش في عالم آخر؟ وليس غريباً أن ترى موظفاً يعطل مصالح "خلق الله" من أجل رسالة واتس أب وصلته فجأة وفيها مقطع فيديو لا بد أن يتم تحميله!
لكن الأمر الغريب حقاً أن نجعل من الواتس أب بديلا عن العواطف الإنسانية الراقية، وتحديداً العلاقات العائلية منها.
قبل يومين وصلتني رسالة بالإيميل من زوجة بائسة تصف لي معاناتها مع زوجها المشغول بأعماله وتجارته ومدى إهماله لها كزوجة تحتاج إلى الحب والاحتواء والإحساس بوجوده وإهماله أيضاً لأبنائه المراهقين الذين يحتاجون إلى توجيهه ونصائحه وقربهم منه، تقول واجهته بتقصيره نحونا وأنني لم أعد أطيق صبراً على احتمال هذا الوضع الذي يجعلني أغرق في بحر من الضغوط النفسية، ففاجأني باقتراح غريب وهو تكوين "جروب عائلي" عن طريق الواتس أب بحيث نتواصل مع بعضنا من خلاله، في البداية ظننته يمزح لكني صُدمت حين أخبرني بأن هذا هو الحل ولا بدائل عنده غيره، ومن باب "مكره أخاك لا بطل" وافقت على الاقتراح الإجباري وسجّلنا في الجروب أنا وهو وأبناؤنا الخمسة وأصبحنا نتواصل من خلاله، إذا حان وقت الغداء أرسلت له بالواتس بأننا ننتظره بشوق فيعتذر عن الحضور لارتباطه بعمل مهم، ابني الأوسط حين أحضر تقريره الدراسي صوره لوالده وأرسله بالواتس فأرسل له والده ملاحظة بأن هناك بعض المواد لديه فيها ضعف واضح، ابنتي أرسلت لوالدها تعبر عن أشواقها له فهي لم تره منذ أسبوع فأرسل لها صورة طفل يبتسم، طفلي الصغير أرسل له رسالة يتوسل له فيها أن يحضر مجلس الآباء فاعتذر منه لارتباطه باجتماع مهم وكلف شقيقه الكبير بحضور مجلس الآباء فأرسل الصغير صورة وجه حزين ترتسم علامات خيبة الأمل فوقه.. أما أنا ومن باب "شر البلية ما يضحك" فإني أرسل له رسائل تعبر عن لهفتي واشتياقي واحتياجي إليه بينما هو نائم بجواري في الفراش..!
الواتس أب .. لم يمنحني ذلك الإحساس الذي تتوق له الأنثى حين تشعر بضعفها في حضرة زوج تعشقه!
ولم يمنح ابنتي إحساس الحنان الذي تحسه الفتاة حين تحيطها ذراعا والدها فتشعر بأن لا شيء يخيفها في هذا العالم!
ولم يمنح صغيري الشعور بالأمان في مجلس الآباء وهو يرى كل زميل له يمسك بيد أبيه بزهو وفخر!
ولم يمنح ابني الأوسط الإحساس بصدق النصيحة والإرشاد ودفء العلاقة الأبوية الصادقة!
لا شيء في هذا العالم يعوّض علاقة إنسانية تحتضر على أعتاب تكنولوجيا واتس أب باردة قد تضحكنا .. تسلينا .. تنقل لنا المعلومة .. تزودنا بآخر الأخبار .. لكنها أبدا لا تمنحنا دفء العلاقات الإنسانية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي