المؤسِّس نقل الحج من «رحلة» تحفها المخاطر إلى «نزهة» بين المشاعر
من يقرأ مشهد الأمن في السعودية ونحن في مطلع الألفية الميلادية الثالثة، يدرك بعين المنصف أن أمن الحج اليوم هو خط أحمر لا يمكن المساس به، بعد أن كان يمثل تحدياً كبيراً للحجاج الذين كانوا يخرجون من بلدهم مودعين لأهلهم غير مطمئنين لعودتهم، في ظل تضاؤل فرص تحقيق مبدأ السلامة لهم أمام المخاطر التي كانوا يواجهونها خاصة في الطرق التي يسلكونها عبر قوافل الجمال.
كان الحجاج قبل دخول الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - إلى الحجاز يأتون إلى الأراضي المقدسة إما عن طريق البر وإما عن طريق البحر، ويسلكون بعد ذلك تلك الطرق غير المعبدة والمملوءة بمتاعب ومشكلات كثيرة، تبدأ منذ وصولهم وخلال تحركاتهم مابين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
#2#
#3#
تلك المتاعب والمشكلات في الطريق تتعدد مصادرها وتتنوع أشكال حدوثها، فمما يقاسيه الحاج من الجمالة أنفسهم، وما يقاسيه من البدو، ومنها ما ألقته الظروف الطبيعية في وجهه من حر وندرة الماء ووعورة الطريق، جعلت منهم أمام خيارات عدة كان أفضلها الطريق السلطاني وهو أحسنها سيراً وأكثرها ماء، حيث كان الحجاج يسلكون بين جدة ومكة طريقاً واحداً، وأما سيرهم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أو من المدينة المنورة إلى مكة، فكان في واحد من أربع طرق، والحجاج الذين يأتون عن طريق ينبع كانوا يسيرون منها إلى المدينة في أحد طريقين يؤديان إليها.
إن دخول الملك عبد العزيز الحجاز نقطة انطلاق لعهد جديد اتسم بتوفير كل ما من شأنه التيسير على ضيوف الرحمن في إقامتهم وأداء مناسكهم عما كان في العهود السابقة، حيث استطاع - طيب الله ثراه - أن يرسي دعائم الأمن والأمان في ربوع المملكة عامة وفي الحجاز خاصة في مدة وجيزة بعد أن كان الحاج معرضا لتهديدات تحاصره من القبائل من جهة، ومن وعورة الطرق وصعوبتها من جهة أخرى.
لقد تم في عهد المؤسس تعبيد الطرق وتحسينها وسفلتتها داخل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وبين مكة المكرمة وجدة والمدينة والطائف، وإدخال السيارات وسيلةً لنقل الحجاج والزوار والمسافرين حتى أن الحاج أصبح يقطع المسافة بين مكة وعرفات التي تصل إلى نحو 22 كيلو متراً بالسيارة في أقل من نصف ساعة في حين كان يقطعها بالجمال في أكثر من خمس ساعات.
وفي مجال الرعاية الصحية للحجاج والأهالي استطاع الملك عبد العزيز أن يوفر تلك الرعاية بإقامة العديد من المستشفيات والمراكز الصحية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وجدة والمدينة المنورة وعلى الطرق الواصلة بينهما مع تزويدها بالأطباء والممرضين والأجهزة والأدوات والأدوية، وجعل العلاج فيها بالمجان. وفضلاً عن ذلك فقد أقام المحاجر الصحية والكرنتينات لحماية البلاد من الأمراض الوبائية.
قام الملك عبد العزيز بإصدار الأوامر والأنظمة التي حددت مهام جميع الطوائف والجهات ذات العلاقة بخدمة الحجاج، وجعل المطوفين مسؤولين مسؤولية كاملة عن الحاج في ارتحاله وإقامته، كما وضع الجزاءات الرادعة لمن يقصر في خدمة الحاج.
استطاع – رحمه الله – أن يوفر المياه الصالحة في كل من مكة المكرمة وجدة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة ومدينة ينبع والطرق المؤدية إليها بعد أن كان الحجاج والأهالي يعانون قلة المياه وندرتها، إذ قام بإيصال مياه عين الجديدة إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بواسطة شبكة من المواسير الحديدية، وذلك إضافة إلى إقامة خزانات على أماكن مرتفعة وتعبئتها بالمواتير، فضلاً عن جلبه ''كنداسات'' جديدة إلى جدة وإلى ينبع لتحلية مياه البحر.
من جهته، قال مروان بن رشاد زبيدي أمين عام هيئة النقابة المتحدث الإعلامي الرسمي لها: ''رحلة تنقلات الحجاج عبر التاريخ كان يواجهها كثير من المتاعب والصعوبات وكانت عملية نقل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة تتم بواسطة الجمال وكان للجمالة هيئة يطلق عليها ''هيئة المخرجين، تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمالة، و تتبعهم جماعة أخرى تعرف بالمقومين، يقدرون حمولة الجمل''.
وتابع زبيدي: ''الطرق التي يسلكها الحجاج للوصول إلى مكة المكرمة ركوبا على الدواب، هي درب السيدة زبيدة، درب الحاج المصري، درب الحاج الشامي، ولكن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أخذ بمبدأ التطور، فسمح بدخول السيارات واستعمالها، واندفع الناس في شراء السيارات وتأجيرها للحجاج بواسطة المطوفين ووكلائهم، كما زلفت لذلك شركة أهلية ترعاها الدولة ثم قامت الدولة نفسها بتأسيس عدة شركات للمساهمة في هذا الميدان الجديد''.
وأبان زبيدي، استعمال السيارات في نقل الحجاج بين جدة ومكة والمدينة معرضا لمصاعب عديدة أهمها افتقاد الجهاز الفني الذي يدير هذا العمل فلم يكن في البلاد سائقون ولا ميكانيكيون مردفاً: ''لهذا جرى استقدام السائقين والميكانيكيين من البلاد الإسلامية التي تتوافر فيها العمالة المدربة، وتم استقدام السائقين والميكانيكيين من السودان ومن عدن ومن الهند وكانت الأجور التي تدفع للسائقين والميكانيكيين مرتفعة بحيث أغرت الكثير من هذه الفئات للقدوم إلى الحجاز والعمل في هذا المجال.
وأشار زبيدي، إلى أن السيارات كانت لا تستخدم في العهد الهاشمي، وكانت سياسية الملك الشريف الحسين بن علي هي الاعتماد على الجمل كوسيلة لنقل الحجاج والبضائع والأفراد، مؤكداً أن السيارات لم تعرف إلا في بداية العهد السعودي، وقال: ''عرفت السيارة كوسيلة نقل تستخدم في نقل الحجاج بين جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة في مطلع العهد السعودي، تحديداً في النصف الأول من الأربعينيات من القرن الماضي، ولعل ذلك تحديداً بين عام 1343 – 1345 هـ.