ما بين النزاهة والفساد كشف حساب يومي
أعتقد لا يمكن أن تكون هناك علاقة ود بين الفساد والنزاهة وبين التنمية والفساد ولا يمكن أن يلتقي خط الفساد والتنمية. المهم أن المعركة بين الفساد والنزاهة معركة تاريخية ومعركة عالمية لن تجد مجتمعا أو دولة تخلو منها، وفي آخر المطاف تتغلب الإرادة على الرغبة وتتغلب القناعة على الجشع والمسؤولية على الإهمال.
المفسدون هم أفراد إما أن يكونوا على علم بما يقومون به من ألوان الفساد، وإما أن يكونوا جاهلين يمارسون أنواع الفساد في حياتهم اليومية، ولكن يرون أن ما يقومون به ممارسة سلوكية اعتيادية أو نوعا من الفزعة والخدمة والمقارنة والإسقاط.
في آخر المطاف هناك مصالح نفسية واجتماعية تدفع المفسدين للعديد من السلوكيات المخالفة للنزاهة، وقد تختلف نسبتها، ولكن السلوك المفسد كان صغيرا أو كبيرا فهو في آخر المطاف سلوك غير نزيه.
وقد يلجأ الإنسان إلى أساليب تبريرية لسلوكه المفسد وهو في قرارة نفسه يحاول أن يخفف عليها وطأة الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، وكثير من المجتمعات قليلة الثقافة تلجأ إلى التبرير الذي يعرفه علماء النفس بأنه نوع من الميكانزما الدفاعية اللاشعورية التي تخفف على النفس البشرية تأثير الضغوط والشعور بالذنب، كما عرفه معجم أكسفورد على أنه انحراف أو تدمير للنزاهة في أداء الوظائف العامة... إذا فكل ممارسة تتعلق بأي عام سواء وظيفة أو غيرها يعني فسادا، لأن صوره يتجاوز الشخص للإضرار بالمجتمع وبالوطن. أنواع الفساد معروفة للجميع، وقد يتوقع البعض أن الفساد محصورا عليها، بينما نجد أن الكثير من الممارسات السلوكية والمعتقدات الفكرية السلبية هي لا تختلف عنها في التأثير، لأنها أمور غير مباشرة وتمارس من كل شخص يوميا في حياته ويبدأ مشوار الممارسات السلبية التي هي من أنواع الفساد غير المباشر ابتداء من خروج الشخص من بيته إلى عمله أو إلى أي وجهة... ماذا يفعل عندما يشاهد حفرة في الشارع، وعندما يشاهد ماء يتسرب وعندما يرى القمامة في كل مكان أو أي مخالفة في الشارع؟ ماذا يدور في ذهنه عندما يركب الرصيف بسيارته ويتجاوز خط المشاة، وبماذا تحدثه نفسه عندما يقطع الإشارة المرورية؟... هل فكر في الآخرين أم رمى بعرض الحائط حقوقهم مقابل مكاسبه الشخصية؟
من يمارس الفساد هو ذلك الشخص يذهب، لكي يمارس الوظيفة ويقدم الخدمات للناس، فماذا يفعل بنا خلال الثماني ساعات من عمله والمسؤولية المكلف بها؟ ما هو مستوى الرضا لديه والرقابة الذاتية؟ وما هو رصيده من الحسنات مقابل خدمته للناس وصدقه معهم وشفافيته وإخلاصه؟ وكم يقيم مستوى كفاءة وجودة العمل الذي يقوم به؟ وما هو كشف حسابه من المحسوبية في تنفيذ أعمال لصالح أشخاص أو فئة ينتمي لها دون أن يكونوا مستحقين لها، وكم حابى أفرادا أو جهات على أخرى وفضلهم في الخدمة بغير حق للحصول على مصلحة ما؟ وكم تدخل من باب الواسطة لصالح فرد أو جماعة دون الالتزام بقوانين العمل وأصوله، وبدون الأخذ في عين الاعتبار الكفاءة والقدرة؟ وكم مارس الابتزاز النفسي والاجتماعي والوظيفي لتنفيذ مصالح شخصية؟
أود أن أصل إلى خلاصة حول مظاهر الفساد والنفسية والسلوكية والاجتماعية التي يجب ألا نعلقها على أي نظام مؤسساتي بقدر ما هو ممارسات فردية ساهمت في فساد، وهذا النظام في أي مؤسسة أو وزارة هي عبارة عن أفراد منا مجتمع يعيشون معنا ونشوفهم ومن السابقين إلى العلا والمساجد ويقومون بأداء جميع أركان الإسلام وهم من نراهم في المجالس وفي الشارع فهم منا ونحن منهم ولم تأت تلك الممارسات غير النزيهة من كوكب آخر وحتى ما يقال على أن الفساد مستقدم ومرتبط بالعمالة الوافدة فهو يغالط نفسه فهو من أتى بهم واستقدمهم، ومن حماهم وتستر عليهم، وتاجر في التأشيرات ومن شجعهم على التجاوزات وعدم احترام القانون. أعتقد نحن في أمسّ الحاجة إلى كشف حساب سلوكي يومي لنزاهتنا من ساعة نصحو وحتى ننام، فلربما نكون أكثر واقعية ومنطقية وصدقا وعدالة مع أنفسنا قبل أن نسقط تلك الممارسات على الآخرين، وكأن الموضوع لا يخصنا، فالفساد منظومة متكاملة ومترابطة من المصالح النفسية والاجتماعية والمادية.