ما بين التشاؤم والتفاؤل مسافات للعالم الأول

تابعت ما قاله الأمير خالد الفيصل، أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، وتأكيده على مبدأ التفاؤل والعزيمة حول مستقبل المملكة، وهذا يعني أن هناك إرادة واعية وصحية وطموحة، ليس لتحقيق النجاحات، بل التميز والريادة، وهذه أمور يمكن تحقيقها ما دمنا نؤمن بالإسلام ونعتقد بسيرة نبينا وبما نملك من الموارد المالية والبشرية المتميزة وما تتمتع به المملكة من ميزات نسبية وموقع جغرافي متميز ومساحات شاسعة من الأراضي والثروات غير النفطية.
المهم أن هنا إرادة وهذا يعني المزيد من الإصلاح والمسؤولية والعدالة الاجتماعية مع الاحتفاظ بهويتنا الثقافية التي لا أعتقد أنها ستكون صادمة إذا تم تطويرها بما يتناسب مع مستجدات الزمان والعصر.
أعتقد أن دول العالم الأول لم تصل إلى هذا المستوى دون ممارسات سلوكية إيجابية ظهرت على أرض الواقع من خلال التعاملات اليومية التي تحترم حقوق الآخر ومن خلال المعتقدات والأفكار التي تكرس عدم سوء الظن والتجسس على الآخرين والانشغال بتتبعهم والمساهمة في نقل وبث الشائعات التي جميعها تدور حول تعميق روح السلبية وعدم التفاؤل والرغبة في الركون والانشغال بصغائر الأمور.
إذا أردنا أن نكون في نادي العالم الأول ومن المتميزين يجب أن نخرج من عباءة الدولة الراعية إلى المواطنة وهذا يعني المزيد من المسؤولية السلوكية والفكرية وهذا يعني أيضا إيقاظ الرقيب الداخلي بعيدا عن رقابة الدولة في كافة الممارسات السلوكية.. وهذا يعني أننا لا نحتاج إلى رجل المرور ليقف بجوار الإشارة ولا نحتاج لكاميرات ساهر حتى نحترم النظام أو نقطع الإشارة أو نعكس الخط أو نرمي بالمخلفات ونحن نسير بالسيارة.
في العالم الأول هناك مسؤولية حقيقية ومجتمع يحترمها ومؤسسات مجتمع مدني تطوعية هدفها خدمة المجتمع وليس خدمة أعضائها واستغلالها من أجل مكاسب شخصية وخدمات إعلامية.
في العالم الأول المواطن عندما يرى شيئا مخالفا أو تجاوزات أو ظلما يبادر بالإبلاغ عنه ويجد التقدير والاحترام والتفاعل في وقت قياسي. وفي العالم الأول تستطيع الحصول على المعلومة بطريقة سهلة بعيدا عن عبارة هذا سري وهذا غير سري، إلا ما يتعلق بالمعلومات الشخصية، لأن المعلومة في آخر المطاف هي المادة التي من خلال يستطيع الباحث ومتخذ القرار صنع قرار مبني على معلومة صحيحة وحقيقية، فثقافة هذا ممنوع وهذا سري خلقت لدينا المزيد من الفضول وحب الاستطلاع وانشغلنا بمتابعة وكشف هذه الأسرار وبنينا عليها قصورا من الأفكار والمعلومات الكاذبة، لأن من الشفافية الذي كانت غير مقبولة في الماضي بدأت الآن قناعة بأن حجب المعلومة ليس ظاهرة صحية وأنها قد تدفع إلى سلبيات ومفاسد كثيرة.
في العالم الأول لا نحتاج إلى أن تذكر الإنسان بمسؤولياته والدور الذي يلعبه في المجتمع ولا تحتاج إلى تنبيهه على أن ما يفعله عيب عليه فالوازع والرادع لديه داخلي قبل أن يكون خارجيا.
نحن ثقافة كلامية ونحب كثرة النصائح وترديد العبارات الرنانة ونكثر من النقد الجارح ونعتدي على حقوق الآخرين يوميا وبالمقابل نقوم بعكس ما نقوله وإذا تعدى أحد على حقوقنا يا ويله ويا سواد ليله.
طبعا لو حاولنا سرد المزيد من المفارقات قد نصاب بالإحباط والاكتئاب ولكن ومن رحم المعاناة لا بد أن ندرك أن العالم الأول لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بالإرادة الإيجابية وحسن الظن والتفاؤل والإصلاح وعدم الانغماس في جلد الذات وتضخيم الجوانب السلبية على حساب الإيجابيات مهما كانت نسبتها وموضوع الاختلاف في أي مجتمع تحكمه قضايا ثقافية وقيمية ومعرفية وقد احتاجت تلك المجتمعات إلى قرون حتى تصل إلى ما وصلت إليه من خدمة إنسانية ما يتطلب أن نأخذ موضوع الوقت في عين الاعتبار وأن نحسن من أفكار نادي المحبطين والمتشائمين وأصحاب المعتقدات والتأويلات والتفسيرات السلبية رأفة بهم وبنفسياتهم وبمن يحكتون بهم، ففي آخر المطاف لن يقبل المتفائلون وذوو الإرادة الصلبة إلا بالتميز من خلال وفي نادي العالم الأول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي