فيروس ستكسنت يضع الأمن الحاسوبي ضمن الأجندة السياسية
الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لـ "كاسبيرسكي لابس"، شركة أمن الإنترنت الروسية، فخورٌ بعلاقاته من الطراز الرفيع – لكنه يقول أيضاً إنها مقلقة. "من الجيد أن تكون معروفاً، لكنه أمر سيئ أيضا. الوضع بالنسبة للأمن الحاسوبي يجب أن يكون جاداً للغاية الآن، إذا ما كنت معروفاً بكوني شخصاً مهماً".
منذ اكتشاف أن فيروس "ستاكسنت" يهاجم المنشآت النووية الإيرانية في 2010، صعد موضوع الأمن الحاسوبي إلى جدول الأعمال السياسي، وأصبح قادة العالم حريصون على الاستماع لما يقوله كاسبيرسكي.
كان يتوقع هجوماً حاسوبياً على منشآت بنية تحتية مهمة لأكثر من عقدٍ من الزمان، وكانت شركة "كاسبيرسكي لاب" هي أول من اكتشف فيرس "فليم" الذي استـُخدم في تجسس حاسوبي مستهدف في الشرق الأوسط.
التعقيد والتكلفة المرتبطة بتصميم "ستاكسنت" تطلبت تدخلاً حكومياً، وكاسبيرسكي قلقٌ حيال ما ستقود إليه الحرب الحاسوبية. "هناك قوى تتصور أن الأسلحة الحاسوبية فرصة، وليس لدينا دفاع لها. على أنه كيدٌ مرتد يمكنه أن يعود علينا، فقد أصاب فيرس ستكسنت عشرات الآلاف من الآلات في كافة الأماكن حول العالم، بما في ذلك المنشآت النووية، لأنه تم تصميمه بطريقة احترافية" حسبما قال، مضيفاً: "الآن تخيل أن هناك برامج خبيثة أخرى تصيب العديد من الآلات وتصيب الأنظمة بالخطأ والعشوائية، مثل إتلاف محطات توليد الطاقة".
إننا نتحدث في قطار ذاهب إلى مدينة بليموث، حيث سيحصل كاسبيرسكي على درجة فخرية من جامعة بليموث. يبدو المليونير الكبير المتخصص في أمن تكنولوجيا المعلومات قلقاً، بينما يجلس في مقصورته من الدرجة الأولى مع الوفد الصغير المرافق له.
من المؤكد تقريباً أن هناك أنظمة شفرات خبيثة تهاجم محطات توليد الطاقة وبنى تحتية شديدة الأهمية، بدون علم أي أحد على الأرجح، هذا ما يقوله.
ويستطرد "أخشى من وجود أشباه فيروس فليم من البرمجيات الخبيثة غير المرئية. لقد تم اكتشاف فيروس ستكسنت فقط لأنه أصاب العديد من الآلات في العديد من البلدان".
أياً كان، فمن الممكن أن يكون قلقاً أيضاً بخصوص أسباب أكثر شخصية، فبنمو ثروته وصعود اسمه أصبح عالمه أقل أمناً.
العام الماضي تم اختطاف ابنه إيفان ذي العشرين ربيعاً لمدة خمسة أيام، من قبل عصابة طلبت فدية ثلاثة ملايين جنيه استرليني. وعلى الرغم من أنه قد تم إطلاق سراح ابنه بدون أذى، إلا أنه ما زالت تلك الحادثة تلاحق كاسبارسكي.
يقول مشيراً إلى رأسه: "حتى إن كانت مرت بسلام فقد تركت تلفاً".
تقيدت حريته الشخصية هي الأخرى، وإن كان بشكل أقل درامية. في روسيا يسافر بصحبة حارس شخصي. "هناك متنزهاً جميلاً بين بيتي ومكتبي. لطالما أحببت المشي هناك، لكن الأمن يقول إنه لم يعد بإمكاني هذا".
كان كاسبيرسكي يعمل كعالم تشفير وضابطاً بالجيش السوفياتي حينما أصبح مفتوناً بفيروسات الحاسب الآلي في التسعينيات. وبعد أن طور برنامجاً مضاداً للفيروسات لشركة تكنولوجيا معلومات مدنية، خرج من القسم عام 1997 عندما أصابت الشركة الأم الأزمة المالية الروسية.
ويقول: "لم يكن لدي خيار، لدي عائلة وطفلان، وكنت أبحث عن طريقة لأحقق بها أرباحاً إضافية".
أما اليوم ففي عمله الذي نشأ بالأساس في موسكو نحو 2500 موظف في 30 دولة، وفي عام 2011 كان عائده 612 مليون دولار.
إن شركته إحدى كبرى شركات أمان نظم المعلومات المملوكة للقطاع الخاص في العالم، ولامتلاكه 80 في المائة من أسهم الشركة فإن ثروة كاسبيرسكي الشخصية قدرت العام الماضي بـ800 مليون دولار. زوجته نتاليا كاسبيرسكي كانت شريكاً مؤسساً في العمل.
"جاءت نتاليا إلى العمل كمديرة مبيعات، عندما كنّا شركة صغيرة. أرادت أن نكون شركة مستقلة. وأنا كنت خائفاً قليلاً، فقد كنا تحت مظلة شركة نظم معلومات مرموقة.
الزوجان الآن مطلقان، وبدأت هي بإنشاء عملها التجاري الخاص في مجال الأمن الحاسوبي، شركة "إنفو واتش".
من البداية روج كاسبيرسكي لمشروعه المغامر عن طريق حضور المؤتمرات، وتقديم أبحاث خاصة عن الفيروسات التي يتم نشرها، ما جعله يلفت نظر الخبراء في الخارج.
الدخل من التكنولوجيا المضادة للفيروسات المرخصة ساعده على تمويل توسعاته.
على الرغم من أن لدى شركة كاسبيرسكي عملاء في كافة أنحاء العالم، يقول كاسبيرسكي إن كونك روسياً في أعمال أمن الحاسب ما زال يمثل عائقاً، فقد قالت مجلة "وايرد" ضمنياً مؤخراً، إن له علاقات وطيدة بدائرة الاستخبارات الروسية.
وقد نشر استنكاراً شاملاً لتلك الادعاءات، وقال إنها فقط الأخيرة من سلسلة مزاعم تجسس استفزازية: "في عام 1994، عندما حصلنا على أول تعاقد مع شركة أمريكية كنا ما زلنا صغاراً، لكن سرعان ما بدأ منافسونا الأمريكيون في استخدام أصولنا الروسية ضدنا. ليست لدي أي صلة أو روابط بالكرملين. أضع دوماً حداً فاصلاً ليس بيني وبينهم فقط، ولكن مع كافة الأحزاب السياسية".
كان قد عمل مع الشرطة الروسية ودائرة الاستخبارات الروسية في جرائم حاسوبية، لكنه يقول إن هذا الأمر لا يختلف عن تعاون ربما أقامته شركات مايكروسوفت وجوجل مع الحكومة الأمريكية: "في الولايات المتحدة ينظر لهذا الأمر على أنه وطنية" حسب قوله. وباعترافه الشخصي فهو شخصٌ مولعٌ بالمغامرة – حجز تذكرة لرحلة إلى الفضاء في شركة فيرجين جلاكتيك– رجع كاسبيرسكي تواً من شهر من المشي لمسافات طويلة في البراكين في شبه جزيرة كامتشاتكا، بدون اتصال بالإنترنت.
وفي شأن ذلك يقول: "أحب أن أكون في خلوة بعيداً عن أي شيء، في الحقيقة، أصابتني خيبة الأمل هذه المرة، لأن بعض المخيمات بدأت تجيء بالإنترنت عبر القمر الصناعي".
مشروع كاسبريسكي الحالي هو تطوير نظام صناعي – لمحطات توليد الطاقة والمصانع وبنى تحتية أخرى شديدة الأهمية – لا يمكن لقراصنة الإنترنت الولوج إليها.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا في طورها الأولي، فهناك اهتمام كبير من قبل العديد من الحكومات. إنه سباق ضد الوقت إذا ما أراد العالم تجنب المرور بتجربة حادثة قرصنة قد تؤثر على سبيل المثال على محطات توليد كهرباء حيوية، هذا ما يقوله كاسبرسكي.
"ربما أصبح لدينا بالفعل مثل هذه الحادثة، والأخبار لم تنتشر بعد"، ثم يميل إلى الأمام كما لو أنه سيستطرد في الحديث، لكنه يفكر ملياً في الأمر ويغيّر الموضوع.
يضع يده بإحكام على حاسوبه المحمول الأسود من نوع "ثينكباد"، المغطى بملصق يضعه المسافرون العالميون على مقاعدهم، عندما لا يحبون أن يوقظوا في أثناء الرحلات الطويلة: "يرجى عدم الإزعاج،" مكتوبة بالإنجليزية والروسية بعلامات كبيرة حمراء.
قواعد كاسبيرسكي
كشريك مؤسس لإحدى كبرى شركات الأمن الحاسوبي لنظم المعلومات المملوكة للقطاع الخاص، يقول يوجين كاسبيرسكي كونك شركة عامة، يجعل صناعة القرارات لديك بطيئاً للغاية.
على أنه لم يكن ليستطيع أن يثبت أهلية عمله منذ عشرة أعوام في النموذج الأول من نظام التحكم الصناعي الأمني لمجلس إدارة وملاك أسهم، هذا ما يقوله. إنه يطلب المُنتج من الحكومات المهتمة بحماية البنية التحتية القومية.
عمليات الاستحواذ لديها اهتمامٌ فاتر هي الأخرى لديه: "إنها تضعف من معنويات الشركة. يريد المهندسون أن يبتكروا، لكن عندما تستحوذ على شركات، فهذا يقول لهم إنهم ليسوا جيدين بما يكفي للابتكار من تلقاء أنفسهم" كما أشار.
كونه دائم السفر، يسعى السيد كاسبريسكي للتواصل دوماً مع موظفيه. وعلى الرغم من قلق البعض من الشبكات الاجتماعية، إلا أنه يستخدم المدونات وتويتر بحيوية، ويحب أن يمشي في أرجاء المكتب لرؤية طاقم العمل.
"أبدأ دوماً في سؤالهم: "هل هناك شيء سيئ اليوم؟‘". وسواء ما كانت لديهم الشجاعة في إخباره أم لا، لا يطمئن كاسبريسكي، لكنه يعتمد على بعض الموظفين القدامى "الذين لا يخشونه" ليخبروه بالحقيقة بدون تجميلها.