تضارب المصالح خلق ضبابية أمام المستثمرين.. وثقافتنا تمجد الوظيفة والدخل الثابت

تضارب المصالح خلق ضبابية أمام المستثمرين.. وثقافتنا تمجد الوظيفة والدخل الثابت

كشف المهندس راكان بن محمد العيدي العضو المنتدب لـ"إنديفور السعودية"، والمتخصص في قطاع رواد الأعمال لـ"الاقتصادية" أن المنظمة فتحت فرعها في السعودية، لتواكب التطور والتقدم والانتعاش الذي يعيشه الاقتصاد السعودي في مختلف المجالات، بيد أن هناك الكثير من رواد الأعمال وأصحاب المبادرات والأقمار الاستثمارية المبتكرة الذين هم في الواقع في حاجة إلى من لم يأخذ بأيديهم ويدعمهم لتطوير أعمالهم، سواء على المستوى المحلي أو العالمي. ولفت العيدي إلى أن المناخ والبيئة الاستثمارية في السعودية مشجعان للمبادرات والاستثمارية الناجحة في مختلف القطاعات، ولا سيما في قطاعي النفط والغاز اللذين ما زالا يمتلكان فرصا استثمارية واعدة في الأعمال الصغيرة والمتوسطة، بيد أن هناك 17 جهة راعية وداعمة لقطاع رواد الأعمال. ولخص العيدي المعوقات والتحديات التي تواجه رواد الأعمال، في ثلاثة محاور ويجب أن تتم تهيئتها وهي: وجود البيئة الصحية لرواد الأعمال، توفير الموارد والخبرات، الوصول إلى رأس المال الذكي. كما تطرق لموضوعات تتعلق بهذا القطاع في هذا الحوار: كيف ترون قطاع رواد الأعمال في السعودية؟ وهل تعتقد أن روادا لديهم الخبرة والإبداع في تطوير الأعمال.. تحدث بإسهاب عن القطاع؟ الحقيقة أن صناعة ريادة الأعمال في السعودية بدأت تتشكل لدينا، بعد أن كانت مجرد مبادرات بدأت مع صندوق المئوية وباب رزق جميل، وهذا مما يحسب للتوجه الحكومي بقيادة خادم الحرمين الشريفين نحو الاستثمار في رأس المال البشري، وخطط التنمية على مستوى الدولة، والجهود الرائعة والكثيرة التي بدأت منذ عام 2006 من بعض الجامعات والجهات الحكومية والخاصة في محاولات رفع ثقافة ريادة الأعمال حتى أصبح لدينا اليوم أكثر من 17 جهة راعية وداعمة لريادة الأعمال في المملكة. إلا أنه وكعادة أي صناعة جديدة وغير واضحة المعالم، يحدث تداخل بين العديد من هذه الجهات يصل إلى حد التضارب في الأعمال والمصالح. وعلى الرغم من أن هذا التضارب هو نوع من التضارب الصحي للصناعة، إلا أنه أدى إلى خلق تكرارية وعدم وضوح للصورة عند الكثير من الشباب الذين يسعون إلى أن يكونوا رياديين ويأملون بتأسيس مشاريعهم الخاصة. كما أن الريادي اليوم في السعودية والمنطقة، يكافح في بيئة مجتمع ما زالت ثقافته تعزز وتمجد الوظيفة الآمنة والدخل الثابت المستقر، وترى في الريادي شخصا مغامرا غير جدير بالثقة، ما يجعل الخوف من الفشل هاجساً لدى كثير ممن بدأوا أو حتى من يفكرون في البداية. في حين تجد الرياديين في الاقتصادات المتقدمة، يفتخرون بعدد مرات فشلهم، ويصدحون بتجاربهم. كما أن الرياديين اليوم في السعودية يفتقرون إلى العلاقات الاستراتيجية والمرشدين، إلا ما يتم عن معرفة شخصية. وكذلك يتحمل الإعلام دوراً في ظل غياب إبراز الرياديين القدوة ممن أسسوا شركاتهم وحققوا النجاحات، وذلك لإلهام الشباب وتحفيزهم. ولو سألت أحد الأطفال أو المراهقين اليوم السؤال التقليدي: ماذا يريدون أن يصبحوا إذا كبروا؟ لأتتك الإجابة المعروفة، طبيب، مهندس، معلم، محام، ويكاد ينعدم أن تأتيك الإجابة: ريادي! إن الواقع يقول إن الشباب السعودي اليوم يملك من الإبداع في ابتكار الأعمال الشيء الكثير، وهذا مشاهد في العديد من المشاريع الريادية في المملكة، ولكن ما ينقصهم هو الخبرة. والمقصود هنا ليس الخبرة في عمل المشروع وطرق تطويره، ولكن الخبرة في ريادة الأعمال والتوجيه الاستراتيجي لتوسيع أعمالهم وتحقيق نمو عال يؤهلهم لبناء كيانات اقتصادية عملاقة، والتوسع جغرافياً خارج حدود الوطن واستهداف الأسواق الأخرى على مستوى المنطقة والعالم. ولنا في جيل الرياديين الأول من سليمان العليان وسليمان الراجحي خير مثال، ونتمنى أن نرى جيلا جديدا في مجالات ابتكارية وجديدة. هل هناك تقديرات لحجم أعمال رواد الأعمال في المملكة؟ وكيف ترى تنامي هذا القطاع؟ مع الأسف لا يوجد تقديرات. وقد كثر الحديث أخيرا عن ريادة الأعمال سواء محليا أو عالميا، وكان الاهتمام العالمي بريادة الأعمال قد بدأ مع مطلع هذا القرن، ونستطيع أن نسمي العقدين الماضي والحالي بعقدي ريادة الأعمال إن صح التعبير. وقد عزز هذا الاهتمام عودة ظهور الرياديين الشباب في أمريكا، أمثال لاري بايج وسيرجي برين مؤسسي جوجل، ومارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، والثلاثي ستيف تشن، جاويد كريم، وتشاد هيرلي مؤسسي يوتيوب. كما ركزت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما على ريادة الأعمال كثيراً، وصورتها كحل للخروج من الأزمة الاقتصادية التي أصابت الاقتصاد العالمي في عام 2008، والحقيقة أن هذا التصوير يحمل جزءاً كبيراً من الصحة. حيث إن هناك مشاريع ريادية بدأت مع مطلع عام 2009 واستطاعت النجاح وتحقيق نمو عال في السنوات الثلاث الأخيرة وخلق الوظائف على الرغم من الأزمة الاقتصادية. والجميل أن لدينا رياديين سعوديين بدأوا أيضا خلال العقد الماضي وحققوا نجاحات مميزة، أمثال عبد الإله الدباس مؤسس "باجة"، ويوسف الراجحي مؤسس "د. كيف"، وسلطان الفقير مؤسس "وكالة الممثلون السعوديون". ويمكن للقارئ الكريم العودة إلى مبادرة الشركات السعودية الـ100 الأسرع نمواً التي أطلقتها وترعاها الهيئة العامة للاستثمار للاطلاع على شركات ريادية محلية. ما المعوقات التي تواجه رواد الأعمال؟ وما الحلول من وجهة نظرك؟ اسمح لي بتلخيص المعوقات في ثلاثة: وجود البيئة الصحية لرواد الأعمال، توفير الموارد والخبرات، الوصول إلى رأس المال الذكي. والحقيقة يوجد العديد من المعوقات التي تواجه الرياديين في طريقهم نحو تأسيس وبناء وتنمية شركاتهم، منها ما يقع على عاتق القطاع الحكومي، ومنها ما هو على القطاع الخاص، كما يتحمل الرياديون أنفسهم جزءا من المعوقات. وقد أُشبع موضوع المعوقات الحكومية من قبل مختصين على مدى السنوات الماضية، أما القطاع الخاص فلديه الفرصة لقيادة صناعة ريادة الأعمال في المملكة والمساهمة الفعلية في وضع أسس وقوانين وأخلاقيات العمل فيها، ودعمها بالخبرات قبل المال. أما الرياديون ومن خلال احتكاكي المباشر بهم أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأجد أن العديد منهم يفتقرون للتركيز، وهذا من الأخطاء الشائعة المعروفة لدى رواد الأعمال عالمياً. فتجد بعض رياديينا وبمجرد نجاح مشروعة، يبدأ في التفكير بمشروع آخر بدلاً من التركيز على شركة واحدة وتنميتها والوصول بها إلى معايير محلية متميزة. كما أن البعض يحاول إعادة اختراع العجلة، بدلاً من التطوير عليها وتحسين ما هو موجود. إن رائد الأعمال في نهاية المطاف، هو موظف عند نفسه حتى إن كان يمتلك مؤسسته أو شركته. وكأي موظف، لا بد له من تطوير نفسه بالعلم والمعرفة واكتساب الخبرات سواء داخل مجال عمله أو خارجه. والبقاء على اطلاع تام بآخر مستجدات ريادة الأعمال في العالم. كذلك البحث المستمر عن العلاقات والفرص التي تعزز من مكانة مشروعه، والسعي وراء اقتناصها. هل هناك ضعف في الابتكار الاستثماري، وأغلب الأعمال مكررة ولكن أكثرها مربحة، أي إنها تحقق الهدف؟ أعتذر عن الإجابة. كيف ترون البيئة والمناخ الاقتصادي ومحفزاته لخلق فرص استثمارية ووظيفية؟ لا يختلف اثنان على قوة الاقتصاد السعودي، ولو نظرنا للمناخ الريادي للمملكة، لوجدنا أن المملكة يتوافر فيها الدعم الحكومي لريادة الأعمال، والسيولة النقدية للتمويل، والسوق القوية القادرة على استيعاب الكثير من الشركات، ورأس المال البشري الشبابي الذي يمثل 70 في المائة من سكان المملكة، والثقافة التجارية المتزايدة، وهذه جميعها مؤشرات بأننا على أبواب طفرة في المشاريع الريادية والشبابية، إذا ما قررنا دعم هذا القطاع وتوافرت الأنظمة والتشريعات القانونية التي تنظم وتحكم هذه الاستثمارات. ممكن إعطاؤنا نبذة عن "إنديفور" العالمية ودورها في دعم رواد الأعمال؟ "إنديفور" العالمية هي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك تأسست في عام 1997 وتتواجد في 16 دولة من الاقتصادات النامية في أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وشرق أوروبا، وآسيا، ويقود جميع هذه الفروع مجالس إدارة محلية من رجال الأعمال الذين يؤمنون برؤيتها ورسالتها في دعم الرياديين. وما يميز نموذج "إنديفور" هو تريكزها على ما يعرف بريادة الأعمال المؤثرة، عبر اختيار رواد الأعمال أصحاب الشركات الرائدة والمبتكرة ذات النمو المرتفع في الأسواق النامية، ثم تزيل الحواجز التي تمنع هؤلاء الرياديين في هذه الأسواق من الوصول إلى أقصى إمكاناتهم. وعلى الرغم من أنه كثيرا ما يغفل عنهم، إلا أن هؤلاء الرياديين المحليين يصبحون محركات لإعادة تنشيط وتنمية القطاع الخاص في بلدانهم. وفي نهاية عام 2010، تمكن رواد أعمال "إنديفور" في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا وتركيا ومصر والأردن من خلق أكثر من 150 ألف فرصة عمل، وتحقيق إيرادات بأكثر من 4,5 مليار دولار ما جعلها تصنف كأحد أفضل أنظمة خلق الوظائف في العالم. وماذا عن إنديفور السعودية؟ يقع مقرنا في برج المملكة في الرياض، وتشمل عملياتنا جميع مناطق المملكة. ويقود إنديفور السعودية مجلس إدارة تأسيسي برئاسة رامي خالد التركي، رئيس مجموعة خالد علي التركي وأولاده. وعضوية كل من الأميرة البندري بنت عبد الرحمن الفيصل، المديرة العامة لمؤسسة الملك خالد الخيرية، ومصعب المهيدب الرئيس التنفيذي لشركة المهيدب للتجهيزات الفنية، وعبد العزيز العمران نائب الرئيس في شركة خالد وعبد العزيز العمران، وحسام رضوان الرئيس التنفيذي لشركة أبراج السعودية، وعبد الله الزامل الرئيس التنفيذي لشركة الزامل للصناعة، ومحمد حافظ الرئيس التنفيذي لشركة السواني، وفيصل تمر العضو المنتدب لمجموعة تمر السعودية. ما الشركات المثالية التي تستطيع التقديم على إنديفور؟ نستهدف الشركات السعودية القائمة التي تتميز بالابتكارية وتحقيق معدلات نمو عالية في السنوات الأخيرة، وجاوزت مداخيلها حاجز المليون ريال. هل يعني ذلك أنكم لا تستهدفون الرياديين أصحاب الأفكار الذين يرغبون في تأسيس مشاريعهم الناشئة Startups؟ صحيح، نحن نرحب بالتواصل مع هذه الشركات، للتعرف على إنديفور وقد نستطيع تقديم بعض الدعم لها وتوجيهها. لكننا نعتقد أن هناك العديد من الجهات في المملكة التي تدعم هذه الشريحة، ومتى ما حققت هذه الشركات نموا عاليا وأصبحت جاهزة لتوسيع نطاق أعمالها، بإمكانها التقديم والالتحاق بإنديفور السعودية. وما الخدمات التي تقدمها إنديفور لهذه الشركات وهؤلاء الرياديين؟ تقدم لهم إنديفور مجموعة من الخدمات، حيث يحصل هؤلاء الرياديون على مستوى عالمي من الاستشارات والعلاقات الاستراتيجية المحلية والعالمية، وتسهيل الوصول إلى رأس المال الذكي، وغيرها من الأدوات التي من شأنها إيصالهم للنجاح. ومع توجيه وإرشاد إنديفور، يصبحون ذوي تأثير عال على الاقتصاد من خلال خلق وتوسيع فرص العمل، وتكوين الثروة وإلهام الآخرين على الابتكار وريادة الأعمال. ما المأمول من "إنديفور" الذي يمكن أن تضيفه لرواد الأعمال في السعودية؟ الحقيقة نحن متفائلون جداً بنجاح نموذج "إنديفور" العالمي في السعودية، وخاصة أنه بإشراف نخبة من رجال وسيدات الأعمال، كما أننا نستهدف شريحة من الرياديين الناجحين الذين أصبحت خيارات الدعم لهم حاليا محدودة جدا بعد نمو أعمالهم. وعليه نسعى إلى أن يسهم دعمنا للرياديين وتوسيع نطاق أعمالهم إلى خلق العديد من الوظائف في شركاتهم، وأن تكون هذه الشركات رافداً وقيمة مضافة للناتج المحلي. كما أننا نأمل في الإسهام في تطوير قطاع ريادة الأعمال نحو الأفضل والأكمل، وتسريع تكامل النظام البيئي لريادة الأعمال في السعودية، لنكون القدوة للعديد من المبادرات المقبلة.
إنشرها

أضف تعليق