المتعاطفون مع "القاعدة"
في بداية الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم ''القاعدة'' عام 2003، أتذكر مذيع راديو ''بي بي سي: وهو يسأل أحد الحركيين الأصوليين، عن الدافع خلف هذه التفجيرات، فأجاب بأن ''القاعدة'' تطالب بخروج القوات الأمريكية من السعودية، فرد المذيع بالقول إن القاعدة الأمريكية تقع في قطر وليس السعودية، فلم يجد الضيف سوى الإجابة بأن هذه القوات تظل في الجزيرة العربية، وكأنه يلوم دولة على قرارات تتخذ في دولة أخرى. أما أحد الحركيين الأصوليين الآخرين فيؤكد في مناسبة أن تنظيم القاعدة فرض نفسه ''بصدق رجاله ووضوح هدفهم وحقيقة تضحياتهم''. ثم يعود بعد حين ليصف أسامة بن لادن بـ ''المجرم'' لأنه نقل الإرهاب إلى السعودية. مثل هؤلاء الدعاة كثيرون برّروا لـ ''القاعدة''، تلميحاً تارة وتصريحاً تارة أخرى، وعندما فشلت ''القاعدة'' فشلاً ذريعاً في مواصلة عملياتها ضد السعودية، لم يتمكنوا من مواصلة تبريرهم. وكذلك فعل أتباعهم، خاصة في ظل رفض شعبي لكل أفعال ''القاعدة'' وخوارجها. ما نشهده في هذه المرحلة أن هذا التعاطف، الذي غاب طويلاً، يعود من جديد تحت أكثر من ستار، ولعل حادثة خطف الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي في اليمن كشفت عن جملة من المؤيدين لم يسمع صوتهم مسبقاً، وكذلك سنرى خلال الأيام القادمة، في أعقاب إعلان وزارة الداخلية عن الخليتين الإرهابيتين في الرياض وجدة. حملات التعاطف المستتر لتنظيم القاعدة، لا تتم كما كانت سابقاً بطريقة مباشرة وموجهة وصريحة، فهي تطلق بأصوات معروفة في الساحة، تتصدّر المجالس والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي، فهم مَن يقود حملة عودة التعاطف مع ''القاعدة'' برونقها الجديد، وإلا مَن يصدق أن مَن يزعمون دفاعهم عن حقوق الإنسان هم ذاتهم مَن يدافعون عن ''القاعدة''. نعم قتلة البشر وجدوا ضالتهم فيمن يدافع عنهم تحت ذريعة الحريات وحقوق الانسان! من المؤكد أنه لا يمكن إغفال تفاعلات ما يسمّى ''الربيع العربي'' في قولبة فكر الحركيين الجدد، فهم لا يألون جهدا للوصول إلى غايتهم أياً كانت الوسيلة، حتى ولو كانت هذه الوسيلة هي ''القاعدة'' بإرهابها الذي ذاق السعوديون منه الأمرين. ولعل من المنطقي الفصل بين مَن يفعلون ذلك وفق رؤية واضحة واستراتيجية لم تأت مصادفة، وبين مَن يدخلون على الخط ذاته لا لشيء إلا للتنفيس عن قضايا جانبية بعيدة كل البُعد عن التعاطف مع ''القاعدة''، لكنهم يجدون مَن يوجههم ويدلهم بل يستغلهم، دون وعي منهم أو إدراك أو حتى ضرر للقضايا التي يبحثون عن حلول لها. ربما علينا أن نتساءل هنا: هل من الضروري أن تعود العمليات الإرهابية مجدداً حتى يقتنع المدافعون عن ''القاعدة'' بأنهم أجرموا في حق بلادهم؟ هل ننتظر أن يقتل المزيد من الأبرياء ليصحو هؤلاء حينها بأنهم يسلكون طريقاً وعراً لا رفيق لهم إلا الإرهابيون وأعوانهم؟!