خريطة طريق لبناء استراتيجية المسؤولية الاجتماعية للشركات
مما لا شك فيه لقد أصبح مصطلح ومفهوم المسؤولية الاجتماعية Social Responsibility واسع الانتشار في عالمنا اليوم ومعروف لدى الجميع، فهي دور المنشأة في تحمل مسؤوليتها تجاه تأثيرات أنشطتها وقراراتها على المجتمع والبيئة بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال اتباع مبدأ الشفافية والسلوك الأخلاقي للمنشأة، كما عرفتها المواصفة القياسية للمسؤولية المجتمعية آيزو 26000. وينبغي على المنشأة أن تعتبر نفسها جزءا من المجتمع – لا يمكن فصلها عنه – عند إشراك المجتمع معها وتنميته، وأن تدرك وتحترم حقوق أفراد المجتمع وسماته عند تفاعلها معه.
وإن من أهم المجالات الرئيسة للمسؤولية الاجتماعية ما يطلق عليه مشاركة المجتمع وتنميته، التي تعد جزءا لا يتجزأ من التنمية المستدامة فهي تساهم ولو بقدر يسير في تعزيز مستويات أعلى من رفاهية أفراد المجتمع وتحسين جودة معيشته، وذلك من خلال المجالات التالية:
1. التعليم والثقافة: بما أن التعليم والثقافة هما أساس كل من التنمية الاجتماعية والاقتصادية وجزء من هوية المجتمع فينبغي تعزيزهما وتنميتهما من خلال تشجيع ودعم التعليم على جميع المستويات، والدخول في إجراءات لتحسين جودة التعليم وإمكانية الحصول عليه وتعزيز المعرفة المحلية والقضاء على الأمية، وتعزيز الأنشطة الثقافية والمساعدة في حفظ وحماية التراث الثقافي، وكذلك رعاية الأوقاف البحثية والعلمية في الجامعات الوطنية.
2. توفير فرص العمل وتنمية المهارات: فالعمل هو أساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومن خلال خلق فرص العمل، يمكن لجميع المنشآت أن تسهم في الحد من الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكذلك فإن تنمية المهارات هي عنصر أساسي من عناصر تعزيز فرص العمل ومساعدة أفراد المجتمع، لتأمين فرص عمل لائقة ومنتجة. وينبغي على المنشأة دراسة تأثير قراراتها الاستثمارية بشأن خلق فرص العمل، والمشاركة في برامج تنمية المهارات المحلية والوطنية بما في ذلك البرامج التدريبية مع توجيه الاهتمام الخاص بالمجموعات المستضعفة في توفير فرص عمل لهم وبناء قدراتهم المهنية.
3. خلق الثروة والدخل: تعد المشاريع الريادية المتنوعة والجمعيات التعاونية محركا مهما لخلق الثروة في أي مجتمع، ويمكن للمنشآت المساهمة بصورة إيجابية في تنمية ودعم الشراكات مع أفراد المجتمع من خلال دعم برامج شراكة مع الموردين المحليين وشباب الأعمال وربات البيوت في إقامة المشاريع التجارية، ومن ذلك الاهتمام بأداء مسؤولياتها الزكوية والضريبية مع الشفافية بإعطاء المعلومات اللازمة لتحديد النسب المستحقة على الوجه الصحيح.
4. الصحة: التي تعتبر عنصرا أساسيا للحياة في المجتمع وهي حق من حقوق الإنسان المعترف بها. إن التهديدات التي تواجه الصحة العامة يمكن أن يكون لها وقع شديد على المجتمعات، ويمكن أن تعيق تنميتها، وبالتالي فإن جميع المنشآت ينبغي أن تحترم حق الفرد في الصحة، وأن تساهم في حماية وتعزيز الصحة العامة من خلال منع أو التخفيف من الأضرار التي تلحق بالمجتمع. وقد يتضمن ذلك المشاركة في حملات صحية عامة ودعم برامج الجمعيات الخيرية المختصة في هذا المجال، وتشجيع العاملين بالمنشأة نفسها وبقية أفراد المجتمع باتباع أنماط الحياة الصحية بما فيها ممارسة التمارين الرياضية والتغذية الجيدة والكشف المبكر للأمراض، والمساعدة في نشر الوعي حول التهديدات الصحية والأمراض الرئيسة والوقاية منها.
5. العمل الخيري: الذي يعد أحد أبرز معالم الدين الإسلامي الذي يحث عليه ويترتب عليه الأجر العظيم وسلامة المجتمع من كثير من الآفات والأخطار التي قد تجتاح بعض المجتمعات الأخرى، ولذا فينبغي على المنشآت الوطنية المساهمة الجادة في هذا المجال وفق الأنظمة الحكومية من خلال دعم منظمات العمل الخيري لتنفيذ برامجها بمختلف مجالاتها الدعوية والإغاثية والصحية والتعليمية.
وبناء على ما سبق فإن على المنشآت دورا كبيرا في تبني برامج المسؤولية الاجتماعية، ولذلك فإني في هذا المقال اجتهد بتقديم خريطة طريق نحو بناء استراتيجية المسؤولية الاجتماعية في بلادنا الغالية تحتوي على أدوار والمهام تتوزع بين الدور الحكومي ودور القطاع الخاص على النحو التالي:
أولاً: الدور الحكومي:
لا شك في أن للتحرك الحكومي تجاه برامج المسؤولية الاجتماعية دورا أساسيا وضروريا إذا أردنا أن تنجح أي جهود في هذا المجال، ويقترح ما يلي:
• إصدار قرارات حكومية من مجلس الوزراء الموقر للحث على مشاركة المنشآت الوطنية في المساهمة الاجتماعية، وإصدار ميثاق وطني في هذا الشأن، وأطالب مجلس الشورى الموقر بالسعي الجاد في ذلك.
• إنشاء مجلس أو هيئة وطنية تقوم بتنظيم لوائح وقرارات وبرامج لنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية ورعاية جهودها وتنسيق برامجها ودعم الجمعيات غير الربحية في هذا المجال.
• تحفيز المنشآت الوطنية المتميزة وتكريمها بصورة دورية ببعض الحوافز كالجوائز ورسائل الشكر من أعلى القيادات الوطنية وتقديم بعض التسهيلات الحكومية لها.
• تصميم وتطبيق مرصد وطني للمسؤولية الاجتماعية يوضح قيم ونوعية ومؤشرات برامج المسؤولية الاجتماعية.
• وضع الخطط الإعلامية الدائمة لنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية والتنويه عنها بكل صور الإعلام المرئي منها والمقروء والمسموع.
ثانياً: دور المنشآت الوطنية:
1- زرع الوعي والاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية في أوساط جميع المعنيين بالمنشأة، خاصة أعضاء مجلس الإدارة والقياديين، وهذا الوعي ينبغي أن يرافقه التغيير الإيجابي نحو توجه المنشأة في مسؤولياتها تجاه المجتمع.
2- بناء أسس قوية وواضحة للمرحلة الجديدة تجاه التوجه نحو المسؤولية الاجتماعية وتصميم استراتيجيات وبرامج المسؤولية الاجتماعية للمنشأة من خلال ما يلي:
أ- مراجعة استراتيجيات المنشأة العامة من خلال عدسة المسؤولية الاجتماعية ودمج استراتيجية المسؤولية الاجتماعية مع الاستراتيجية العامة للمنشأة لتتكامل مع أهدافها الاستراتيجية.
ب- مراجعة القيم التي تتبناها المنشأة وزرع مفاهيم وأخلاقيات أصيلة للعاملين فيها وتغيير ثقافة المنشأة تجاه متطلبات المسؤولية الاجتماعية، ونشر القادة للقدوة الحسنة بين العاملين، وزيادة الشفافية وتطبيق مفاهيم الحوكمة المؤسسية، والاهتمام بمبادئ الاستدامة المؤسسية.
ت- تحديد أهم وأبرز الفرص التي يمكن أن تعملها المنشأة كبرامج للمسؤولية الاجتماعية وإزالة العقبات والمخاطر التي يمكن أن تقف أمامها.
ث- الاتفاق مع جميع المعنيين بالمنشأة على الاستراتيجيات والبرامج التي ستقدمها المنشأة للمجتمع وبالذات التأكيد على وضع نسب مئوية واضحة ومجزية من الأرباح على الأقل لتنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية.
3- تفعيل هذه الاستراتيجية بشكل دائم ومتوازن ومراجعتها وتقييمها من خلال وضع مؤشرات واضحة ومحددة وقابلة للقياس وعمل التقارير اللازمة في ذلك، مع الاحتفال الدوري بالنجاحات التي تمت وتكريم البرامج المميزة والأفراد المساهمين فيها.
وأخيرا.. فإن المسؤولية الاجتماعية وإن تغيرت أسماؤها وتطورت مع كل عصر إلا أنها مفهوم إسلامي أصيل تجاوز كل التعليمات والمنهجيات التي تتبنها الأمم والمنظمات العالمية، بل وجعل مفاهيم المسؤولية الاجتماعية مترسخة في طبيعة المسلمين أفرادا وجماعات على مر العصور، وربطها بالأجر الأخروي الذي لا يعرفه ولا يقدره سوى المسلمين والمسلمين فقط.. فما أعظمه من دين.. والحمد لله الذي هدانا له..